شاهر النهاري

مقالات رمضانية

الجمعة - 10 يونيو 2016

Fri - 10 Jun 2016

ككاتب رأي أعاني كثيرا في أيام رمضان سواء من الصيام عن الكلام المباح، أو من عدم القدرة على الاسترسال في الكتابة، أو من خوف التورط في مناطق منزلقة قد لا تمت للروحانية برابط، كونها تصب في أقداح وصواني الطعم والنكهة، مستلهمة انسكاب شقرة قهوة الهيل، وإتباعها بشفتي تمرة عسلية محشية باللوز، تختصر الحب في قضمة.

أو تداعب قعر صحن الشوربة، مداعبة قطرات الليمون بجرمها الأسود لتسهيل أوان التلاقي بين أعواد الشعيرية الرقيقة، وحبات الدخن المنتشية، وترسم لها موعد اتحاد مع شقف اللحم، بشجن الفلفل، وولع الكزبرة، وحنان الطماطم، وعدالة الملح.

والأنكأ من ذلك لو حاولت الفكرة الخروج إلى العلن، ثم تعثرت والتوت مثل مزيج لحمة مفرومة، وسط زوايا حبة سنبوسة ممشوقة القوام، وجوفها منقوش بحموة قطع البقدونس والبصل، ومعاني الرقة في ثنايا عجين معتدل السماكة، لين الأعطاف، يرتوي بزيت لا يشرب منه، فيحكي بالشوق لعين لحظات السعادة.

بعض الأفكار تزداد كثافة، وتبحث عن العمق الأبعد، فتتجمع كما حبات فول هشة، منغمسة تحت رقراق زيت الزيتون، وتحترق كما طرف جمرة تكوي طرف شريحة بصل، وأوصال طماطم تجمعت بين الشقوق.

ممرات عذاب، وشح وعطش للأفكار، لا مفر منه إلا بشرب كأس من التوت المرتعش بردا، فلعله يطفئ الحرائق، وينهي حكاية حب عذرية، سار بها الركبان طوال اليوم، تحت شمس الفراق.

بالله عليكم قولوا لي كيف يمكن للكاتب أن يبحث، وأن يحلل، وأن يصيغ أفكاره، وهو ينتظر فنجانا مبخرا يتجرع قطرات الشاي في عمقه، ساخنة بالمزاج، عاصفة بحضن حميم يتناغم مع لون أوراق الشاي الغزالي الدم، وحبات السكر الدرية، ولذعة أوراق النعناع السندسي.

عند أي كلام يحاول الكاتب المقيد المسير كتابته، سيجد نفسه تائها بين الخيالات، والمنى، وهو يختتم اللقاء بغفوة بسيطة يأذن فيها لأفكاره بالهجوع بعد كثرة صب وغرف، وبعد محاولات متكررة للفهم، والاستيعاب.

يتكلم عن السياسة، فلا يلبث أن يجدها سياسة الجمع بين السمك، وقطعة من البسبوسة النائحة.

يتكلم عن المجتمع، فلا يلبث أن يجد الجميع يشاركونه نعمة الالتفاف حول سفرة رمضانية ترتسم بأصناف العجب.

يتكلم عن الوزارات، فلا يلبث أن يجد رؤيته تتحول، لطبق كنافة تسيل شيرته على كل الزوايا.

يتكلم عن الحروب والملاجئ، والمجاعات، ثم لا يلبث أن يحمد الله على نعمة الأمن والأمان والسلامة في البدن والوطن، وعندما يتجه فكره للبعيد، يعود مع طبق من سلطة الفاكهة الغاطسة وسط فيض من عصائرها.

يتكلم عن الوزراء والخدمات، فلا يلبث أن يجد قلمه يأمره بالتوقف في فترة الصوم عن النقد، وعن التحجير، وعن توضيح الخلل، وأن يتلذذ بمثل راحة ضمير نزاهة.

ينظر للمحاربين الأشاوس على الحد الجنوبي، ويدعو لهم بالنصر والثبات، ويتمنى أن يشاركهم أجر مرابطتهم، حتى ولو اشتاق لسفرته العامرة، بالخمان، والرمان.

يتكلم عن السياسة الخارجية، وتشعبها، وعدم وضوحها، ومطباتها، ومقالبها، ومؤامراتها، وضرورة الحرص والقوة في مواجهتها، فيجد نفسه يكتب على صاج شواية تتقلب عليها الشقف والأضلاع، والصدور، بدمعة مزيج زيادة رغبة في الفهم، ثم لا يجد أفضل من أن يحبس بكوب من اللبن الرائب.