لم أشأ لهذه الفصول حين شرعت فيها أن تنتهي إلى غاية، ولم أرد لها أن تكون منجمة، وكل ما رجوته منها، في أصل مبدئها، أن أعلق في مقالها الأول على منزلة مدينة جدة في حركة الحداثة، فلما أنشأت أكتب المقال الثاني، ألفيتني أبحث في أنحاء «النقد الحداثي الألسني»، أستقصي نشأته، وأتحرى منبته في حركة الأدب والنقد في المملكة، وما كنت قد وضعت نصب عيني خطة أو منهجا لبلوغ ذلك، فكان أسلوبها خليطا من الكتابة الأدبية والنظر النقدي، على أنني، في هذه وتلك، لم أرد أن أكتب ذكريات، ولم أشأ أن أخوض غمرات النقد الأدبي، فكان فيهما من الاثنين معالم.
لكنني، علم الله، ما شرعت في كتابة فصل من هذه الفصول إلا وأدى إلي هذا الفصل نبأ جديدا عن منابت ذلك النقد ونشأته، يباين ما استقر في عقول الأدباء والنقاد والمثقفين والقراء، بل يباين ما أخذت به، وصح عندي أن هذه الفصول، مهما تكن، ترجو التأريخ لتلك النشأة حتى تستقيم قراءة أدبنا، ولن يكون ذلك إلا بقراءة «التاريخ» لا «المذكرات»، فالتاريخ يجلو لنا الحقيقة، مهما حاولت «المذكرات» تزييفها.
ولأن رائدي فيما أكتب «التاريخ» لا «المذكرات»، فسأعود، مرة أخرى، إلى زمن غائر في ثقافتنا، إلى زمن مجهول، وأثر نقدي مسكوت عنه، هو عندي، إن فحصنا عنه، أول أثر نقدي لناقد سعودي يتخذ المناهج النقدية الحديثة «الألسنية» في درس الأعمال الأدبية في بلادنا!
سأعود إلى عام 1398هـ - 1978م، مرة أخرى، لا لأكتب عن الدكتور عبد الله الغذامي، فقد فرغت هذه الفصول منه، ولا لأدفع عنه «ريادة»، فليس شأن هذه الفصول أن تلبس أحدا لباسا أو تخلعه، وإنما شأنها الوفاء للتاريخ والعلم والحقيقة، مهما أدانا الوفاء للتاريخ والعلم والحقيقة إلى أن نبدل أفكارنا ومعتقداتنا، ولكنني سأعود إلى هذا العام لأقف على أثر نقدي سكت عنه حتى طال السكوت ووجب الكلام.
وربما كان من السائغ أن نستعيد شيئا من نبأ هذا العام، وفيه نعرف أن عبدالله الغذامي ظفر بدرجة الدكتوراه، بعد أن أمضى سنوات في تحقيق كتاب ابن شاذان «أدب الوزراء»، وحط عصاه في مدينة جدة أستاذا في جامعتها، ثم فزع إلى المسألة التي ملكت عليه عقله وتفكيره، وهي أن يدرس أعاريض الشعر عند شاعرته نازك الملائكة، حتى إذا كان له ذلك، شرع يبحث في الشعر القديم عن أصول الشعر الحر. والحق أن الرجل أنفق في هذه المسألة سنوات ذوات عدد، نستطيع أن نبلغ فيها عام 1404هـ.
في ذلك العام الذي احتاز فيه الدكتور عبدالله الغذامي درجة الدكتوراه، كانت باحثة سعودية قد ظفرت بدرجة الماجستير في النقد الأدبي من جامعة القاهرة، في دراسة هي موضوع هذا الفصل.
أما الباحثة فهي سعاد عبدالعزيز المانع، وأما الدراسة فهي «سيفيات المتنبي، دراسة نقدية للاستخدام اللغوي». ظفرت بها في عام 1398هـ-1978م، ثم قرأها الناس في كتاب، حين دفعت بها جامعة الملك سعود إلى المطبعة عام 1401هـ -1981م.
وأنا لا أعرف أن أحدا عد سعاد المانع أول ناقدة سعودية تتوسل بالنقد الحداثي، ولم أقرأ ولم أسمع أنها، وقد تقاسم الملأ الأولية، صاحت في الناس وقالت: هاؤم اقرؤوا كتابيه، ففيه أصل نشأة النقد الحداثي! وربما صد القراء والنقاد عن كتابها، أنهم ظنوه «درسا في اللغة»، وإذا ما أسمح أحد فعساه «دراسة أدبية جامعية» لا تقدم جديدا، وأغلب الظن أن الكتاب «مجهول»، وأن صاحبته لم تشأ أن تشغل الناس به، فسكتت وسكت الناس عنه.
لكن الكتاب لا يزال إلى اليوم جديدا فتيا، لا لنضعه حيث يجب أن يوضع، فنفتتح به بداية النقد الحداثي «الألسني» في المملكة، ولكن لما انطوى عليه من معان في درس الأدب جديدة، وعتها طالبة سعودية شابة، درست الماجستير في جامعة القاهرة (معقل النقد الأدبي)، وأشرفت عليها الأستاذة الجليلة الدكتورة سهير القلماوي، فماذا قالت سعاد؟
هذا ما سنعرفه في المقال القادم بمشيئة الله.
سعاد المانع
لكنني، علم الله، ما شرعت في كتابة فصل من هذه الفصول إلا وأدى إلي هذا الفصل نبأ جديدا عن منابت ذلك النقد ونشأته، يباين ما استقر في عقول الأدباء والنقاد والمثقفين والقراء، بل يباين ما أخذت به، وصح عندي أن هذه الفصول، مهما تكن، ترجو التأريخ لتلك النشأة حتى تستقيم قراءة أدبنا، ولن يكون ذلك إلا بقراءة «التاريخ» لا «المذكرات»، فالتاريخ يجلو لنا الحقيقة، مهما حاولت «المذكرات» تزييفها.
ولأن رائدي فيما أكتب «التاريخ» لا «المذكرات»، فسأعود، مرة أخرى، إلى زمن غائر في ثقافتنا، إلى زمن مجهول، وأثر نقدي مسكوت عنه، هو عندي، إن فحصنا عنه، أول أثر نقدي لناقد سعودي يتخذ المناهج النقدية الحديثة «الألسنية» في درس الأعمال الأدبية في بلادنا!
سأعود إلى عام 1398هـ - 1978م، مرة أخرى، لا لأكتب عن الدكتور عبد الله الغذامي، فقد فرغت هذه الفصول منه، ولا لأدفع عنه «ريادة»، فليس شأن هذه الفصول أن تلبس أحدا لباسا أو تخلعه، وإنما شأنها الوفاء للتاريخ والعلم والحقيقة، مهما أدانا الوفاء للتاريخ والعلم والحقيقة إلى أن نبدل أفكارنا ومعتقداتنا، ولكنني سأعود إلى هذا العام لأقف على أثر نقدي سكت عنه حتى طال السكوت ووجب الكلام.
وربما كان من السائغ أن نستعيد شيئا من نبأ هذا العام، وفيه نعرف أن عبدالله الغذامي ظفر بدرجة الدكتوراه، بعد أن أمضى سنوات في تحقيق كتاب ابن شاذان «أدب الوزراء»، وحط عصاه في مدينة جدة أستاذا في جامعتها، ثم فزع إلى المسألة التي ملكت عليه عقله وتفكيره، وهي أن يدرس أعاريض الشعر عند شاعرته نازك الملائكة، حتى إذا كان له ذلك، شرع يبحث في الشعر القديم عن أصول الشعر الحر. والحق أن الرجل أنفق في هذه المسألة سنوات ذوات عدد، نستطيع أن نبلغ فيها عام 1404هـ.
في ذلك العام الذي احتاز فيه الدكتور عبدالله الغذامي درجة الدكتوراه، كانت باحثة سعودية قد ظفرت بدرجة الماجستير في النقد الأدبي من جامعة القاهرة، في دراسة هي موضوع هذا الفصل.
أما الباحثة فهي سعاد عبدالعزيز المانع، وأما الدراسة فهي «سيفيات المتنبي، دراسة نقدية للاستخدام اللغوي». ظفرت بها في عام 1398هـ-1978م، ثم قرأها الناس في كتاب، حين دفعت بها جامعة الملك سعود إلى المطبعة عام 1401هـ -1981م.
وأنا لا أعرف أن أحدا عد سعاد المانع أول ناقدة سعودية تتوسل بالنقد الحداثي، ولم أقرأ ولم أسمع أنها، وقد تقاسم الملأ الأولية، صاحت في الناس وقالت: هاؤم اقرؤوا كتابيه، ففيه أصل نشأة النقد الحداثي! وربما صد القراء والنقاد عن كتابها، أنهم ظنوه «درسا في اللغة»، وإذا ما أسمح أحد فعساه «دراسة أدبية جامعية» لا تقدم جديدا، وأغلب الظن أن الكتاب «مجهول»، وأن صاحبته لم تشأ أن تشغل الناس به، فسكتت وسكت الناس عنه.
لكن الكتاب لا يزال إلى اليوم جديدا فتيا، لا لنضعه حيث يجب أن يوضع، فنفتتح به بداية النقد الحداثي «الألسني» في المملكة، ولكن لما انطوى عليه من معان في درس الأدب جديدة، وعتها طالبة سعودية شابة، درست الماجستير في جامعة القاهرة (معقل النقد الأدبي)، وأشرفت عليها الأستاذة الجليلة الدكتورة سهير القلماوي، فماذا قالت سعاد؟
هذا ما سنعرفه في المقال القادم بمشيئة الله.
سعاد المانع
- حازت على الماجستير في النقد الأدبي من جامعة القاهرة
- بحثها »سيفيات المتنبي، دراسة نقدية للاستخدام اللغوي«
- طبعته جامعة الملك سعود عام 1401هـ - 1981م.