فارس محمد عمر

الكنز!

الخميس - 09 يونيو 2016

Thu - 09 Jun 2016

ما الذي يجعله هادئا، ويجعل تلك باسمة، وغيرهما ينام هانئا؟ نركض ذاهلين وراء إجابات، ثم نعانق البؤس ونصادق التجهّم! إذا المرء فهم حال أهل السلام والراحة، وأخضع كيانه لمثلها، لوجدها تنصب كشلال زلال على حواسه وروحه ومهجته فتلطفها وتسقيها وتحملها إلى بحيرة جميلة نائية عن القلق! السر في المتناول، كاللؤلؤ يظنه الغواص بعيدا، وهو تحت أصابعه!

أقرأ رواية أو أشاهد قصة، وبعد دقائق تنقطع مشاعري عن أحداثها. مثل ذلك، لو أعطي كل حي وجامد وموقف من الاهتمام دقائق معدودات أقطع بعدها ارتباطي بها، كأنما حولت القناة بعد مشهد، فأتعهد نفسي وحاجتي بالاهتمام، أكسب قلبي وسكوني وأصنع غبطتي وأواصل معيشتي. لا يضر أن يجرب كل منا التنفس بعمق وصرف الفكر والهم، فيسكن دقائق ويبتسم، وربما يتحرك من موقعه ويغير عادته، لعله يصل إلى السلام الذي ينشده. ومن يعترض ولا يرضيه إلا إملاء ما يريد علينا، فعليه أن يقلدنا أو أن يصمت، وإلا فالجدران حوله ما أكثرها، والأبواب لنا أكثر!.

قرأتُ وتعايشتُ وخبرتُ فأيقنت ألا فرق بين أي اثنين في الدنيا كلها، سوى أن واحدا يحمل مشاكله على قسماته وحروفه ومعاملاته، والآخر ينساها! ذاك عَبوسٌ شكّاء مغتاب نمام حسود ثرثار، وهذا بشوش متفائل مغتبط مختصر!

هو الكنز والله، ألا يهز ذرة في كياني شيء إلا إن أنا سمحت له، كما أترك قصة تعطلني ساعات وأياما! الجزع والغم والتوقعات والنفوس الثقيلة أمور حاصلة، فلماذا أطيل وقعها على شخصيتي ومعيشتي وسروري، وبلا مردود سوى المضرة لنفسي ولمن أحب؟

فلنتجرّد لرحمة مولانا بالتغافل عن دنيانا إلا لماما، لا حربا تطحننا. باطل وهْمُنا أن ما حولنا يستدعي التفكير والتواصل واللغط الطويل، وحقٌ يقيننا أن ما في داخلنا أولى بالرعاية والراحة والتخلّي والخلوة. وكل رمضان وعيد ويوم وأنتم مستغنون بالكنز، بالصبر والتأمل والسلام مع أنفسكم وآفاقكم وسعادتكم، ثم وثم وثم التعامل الموقت مع النفوس والأمور الأخرى أينما كانت!