حسن القرى يوثق الأودية المكية في القرن العاشر الهجري
الثلاثاء - 07 يونيو 2016
Tue - 07 Jun 2016
اختار المؤرخ المكي جار الله محمد القرشي لكتابه الذي تناول فيه ذكر بعض أودية مكة في القرن العاشر الهجري، عنوانا خرج به عن المألوف في المؤلفات من هذا النوع، وسماه «حسن القرى في أودية أم القرى» وكأنه دعوة منه لزيارة هذه الأودية في زمانه والتمتع بما فيها.
إضافة إلى ذلك أظهر أهمية أودية الحجاز في حياة المكيين، وخصوصا ما جاء في شمالها وشرقها، من خلال وصف ما فيها من جمال، فهي متنزه ومقيل ومصيف، ومقصد للترويح عن النفس، ومما زادها روعة استعداد أهلها لتقديم الضيافة، وكرمهم في استقبال الضيوف والزوار خلال رحلاتهم الترفيهية ومقامهم بها في كرم زاد من رونقه الخضرة والماء العذب وجمال الطبيعة.
ويعرض المؤلف صورة عن بعض أساليب الحياة المكية في ذلك العصر، من خروج للمتنزهات أيام الصيف، والمقيل والسمر بها، بل وإعطاء الدروس العلمية بين حدائقها.
فيصف وادي مر المعروف بوادي فاطمة حاليا وما فيه من مزارع وعيون جارية، كان يمتلكها الأشراف وغيرهم من أهالي مكة، ويوقفون بعضها على الخيرات، ويستصلحون أجزاء منها للزراعة في وقت كانت المزارع تمد مكة بحاجتها من الخضار والفواكه والتمور بأنواعها والحبوب، والنباتات العطرية كالريحان والكادي والفاغية.
ويشير صراحة إلى أن الوادي كان يعرف في زمانه بوادي مَرّ - أي في القرن العاشر - ولم يسمع التسمية بوادي فاطمة إلا من بعض أكابر الحجاج.
والحقيقة أن من يقرأ الكتاب على صغر حجمه، يستمتع مرتين، في المرة الأولى بجمال الوصف الذي يشعر القارئ أن من يكتب هو فنان أحس بالجمال واستمتع به، واستطابه حتى استطاع وصفه، وصاغ مشاهداته في قوالب أدبية رائعة، وهذا من محاسن أن يكون الأديب مؤرخا.
أما المتعة الأخرى فهي الشواهد الشعرية التي رصع بها كتابه بما انتخبه من شعر جادت به قريحة المكيين في وصف جمال الأودية وعيونها وسوانيها، في أجواء تقترب، إن لم تماثل الأجواء المترفة التي عاشها الشعراء في الأندلس ودمشق والعراق عندما وصفوا جناتهم وحدائقهم.
ويقول عن قرية البرابر: في اسمها التفاؤل بالبُر والبِّر، صيفت فيها، ورأيت الانشراح بها مع صلاح أهلها، وهي قرية يحصل بها الأنس لمن حضر، وقيل فيها:
إذا كنت في وادي البرابر تشكر
فلا تنس فيه التمر والزرع أخضر
وفاغية كاللؤلؤ الرطب منظرا
روائحها كالمسك بل هي أعطر
ورؤيتها تزهو على كل منظر
وناهيك للنظار بالعين تنظر
وجميزهُ بالحسن قد شاع ذكره
وليمونه مثل الزمرد أخضر
ويصف حديقة واقعة في أرض حسان تقع ضمن أملاك الأشراف الهواشم الأمراء، وما فيها من بحرة [فسقية] عليها دعائم فوقها قبة، سميت أم شميلة، وهي التي أنشد فيها الأديب أبو عبدالله محمد الفيومي المكي:
حمام شدا في الزهر أم صارت مزهر
وريح صبا تسري أم الراح تسكر
وروض شجي أم جنان زخرفت
وماء زكي فيه أم كوثر
نعم قد تذكرنا (بأم شميلة)
جنان البقا والشيء بالشيء يذكر
وقد نسجت أيدي الربيع برسمها
قميصا من الزهر الشذي مدنر
ويصف أرضها وزهرها ونخيلها، التي تحمل بالرطب الأصفر والأحمر والأخضر فيقول:
وألبس أجياد النخيل قلائدا
عقيق وياقوت وتبر وجوهر
ووجه ثراها تحت خضرة روضة
مليك غدا في ثوب خز مدثر
وقد ضحك النوار في طي كمه
وريح الصبا في ذيله تتعثر
ويقول عن الجموم «بها بطن مَر، والمشهور عند الناس أن الجموم هو وادي مَر، بنى فيها القائد بُديد الحسني عند رأس عينها مسجدا عظيما مبيضا بالنورة، في منتصف القرن التاسع، في محطة الحاج المصري ذهابا وإيابا، ويجتمع عنده سوق كبير يباع فيه جميع الأقوات».
ويشير إلى أن الناس يقيلون فيها نهارا وهم في طريقهم إلى عسفان وهدى الشام وغيرهما من المتنزهات، ووصف المقيل قاضي المالكية بمكة الشيخ شرف الدين أبو القاسم وقال في عينه الجارية:
لله يوم به جادت يد الزمن
طاب المقيل بواديها البهي الحسن
وادي الجموم الذي يزهو بجارية له
بمنظرها يشكو الشجي الشجن
سقيا لها كم سقينا الأنس من راحتها
في ظل مسجدها المعهود بالمنن
قضيته بأحيباب محاسنهم تسلي
الغريب عن الأهلين والوطن
[email protected]
إضافة إلى ذلك أظهر أهمية أودية الحجاز في حياة المكيين، وخصوصا ما جاء في شمالها وشرقها، من خلال وصف ما فيها من جمال، فهي متنزه ومقيل ومصيف، ومقصد للترويح عن النفس، ومما زادها روعة استعداد أهلها لتقديم الضيافة، وكرمهم في استقبال الضيوف والزوار خلال رحلاتهم الترفيهية ومقامهم بها في كرم زاد من رونقه الخضرة والماء العذب وجمال الطبيعة.
ويعرض المؤلف صورة عن بعض أساليب الحياة المكية في ذلك العصر، من خروج للمتنزهات أيام الصيف، والمقيل والسمر بها، بل وإعطاء الدروس العلمية بين حدائقها.
فيصف وادي مر المعروف بوادي فاطمة حاليا وما فيه من مزارع وعيون جارية، كان يمتلكها الأشراف وغيرهم من أهالي مكة، ويوقفون بعضها على الخيرات، ويستصلحون أجزاء منها للزراعة في وقت كانت المزارع تمد مكة بحاجتها من الخضار والفواكه والتمور بأنواعها والحبوب، والنباتات العطرية كالريحان والكادي والفاغية.
ويشير صراحة إلى أن الوادي كان يعرف في زمانه بوادي مَرّ - أي في القرن العاشر - ولم يسمع التسمية بوادي فاطمة إلا من بعض أكابر الحجاج.
والحقيقة أن من يقرأ الكتاب على صغر حجمه، يستمتع مرتين، في المرة الأولى بجمال الوصف الذي يشعر القارئ أن من يكتب هو فنان أحس بالجمال واستمتع به، واستطابه حتى استطاع وصفه، وصاغ مشاهداته في قوالب أدبية رائعة، وهذا من محاسن أن يكون الأديب مؤرخا.
أما المتعة الأخرى فهي الشواهد الشعرية التي رصع بها كتابه بما انتخبه من شعر جادت به قريحة المكيين في وصف جمال الأودية وعيونها وسوانيها، في أجواء تقترب، إن لم تماثل الأجواء المترفة التي عاشها الشعراء في الأندلس ودمشق والعراق عندما وصفوا جناتهم وحدائقهم.
ويقول عن قرية البرابر: في اسمها التفاؤل بالبُر والبِّر، صيفت فيها، ورأيت الانشراح بها مع صلاح أهلها، وهي قرية يحصل بها الأنس لمن حضر، وقيل فيها:
إذا كنت في وادي البرابر تشكر
فلا تنس فيه التمر والزرع أخضر
وفاغية كاللؤلؤ الرطب منظرا
روائحها كالمسك بل هي أعطر
ورؤيتها تزهو على كل منظر
وناهيك للنظار بالعين تنظر
وجميزهُ بالحسن قد شاع ذكره
وليمونه مثل الزمرد أخضر
ويصف حديقة واقعة في أرض حسان تقع ضمن أملاك الأشراف الهواشم الأمراء، وما فيها من بحرة [فسقية] عليها دعائم فوقها قبة، سميت أم شميلة، وهي التي أنشد فيها الأديب أبو عبدالله محمد الفيومي المكي:
حمام شدا في الزهر أم صارت مزهر
وريح صبا تسري أم الراح تسكر
وروض شجي أم جنان زخرفت
وماء زكي فيه أم كوثر
نعم قد تذكرنا (بأم شميلة)
جنان البقا والشيء بالشيء يذكر
وقد نسجت أيدي الربيع برسمها
قميصا من الزهر الشذي مدنر
ويصف أرضها وزهرها ونخيلها، التي تحمل بالرطب الأصفر والأحمر والأخضر فيقول:
وألبس أجياد النخيل قلائدا
عقيق وياقوت وتبر وجوهر
ووجه ثراها تحت خضرة روضة
مليك غدا في ثوب خز مدثر
وقد ضحك النوار في طي كمه
وريح الصبا في ذيله تتعثر
ويقول عن الجموم «بها بطن مَر، والمشهور عند الناس أن الجموم هو وادي مَر، بنى فيها القائد بُديد الحسني عند رأس عينها مسجدا عظيما مبيضا بالنورة، في منتصف القرن التاسع، في محطة الحاج المصري ذهابا وإيابا، ويجتمع عنده سوق كبير يباع فيه جميع الأقوات».
ويشير إلى أن الناس يقيلون فيها نهارا وهم في طريقهم إلى عسفان وهدى الشام وغيرهما من المتنزهات، ووصف المقيل قاضي المالكية بمكة الشيخ شرف الدين أبو القاسم وقال في عينه الجارية:
لله يوم به جادت يد الزمن
طاب المقيل بواديها البهي الحسن
وادي الجموم الذي يزهو بجارية له
بمنظرها يشكو الشجي الشجن
سقيا لها كم سقينا الأنس من راحتها
في ظل مسجدها المعهود بالمنن
قضيته بأحيباب محاسنهم تسلي
الغريب عن الأهلين والوطن
[email protected]