حكومة الصحة

الأربعاء - 08 يونيو 2016

Wed - 08 Jun 2016

لا شك أن هنالك شعورا عاما جيدا لدى الكثير من المهتمين بالشأن الصحي العام بتولي معالي الدكتور توفيق الربيعة حقيبة وزارة الصحة، السبب يعود إلى الخبرة العملية والديناميكية التي يتمتع بها الربيعة عطفا على التجارب الناجحة له في وزارة التجارة.

الآن وبعد تعيين الوزير الجديد والذي أتى من خارج الوزارة فإن أمام معاليه سيلا هائلا من التحديات وفرصا عظيمة لعمل الفارق الحقيقي الذي طالما ناشد به المجتمع، وذلك لإيمان الناس العميق بأن العلاقة التي تربطهم بالوزارة والتي تبدأ منذ حصولهم على شهادة الميلاد ولا تنتهي إلا بعد إصدار شهادة الوفاة، هي علاقة من نوع مختلف ويجب أن تكون متينة للغاية وبالتالي فإن الغالبية على يقين بأن الجهاز الذي يعنى بصحة الناس لا يمكن إدارته بالطريقة نفسها التي تدار بها المرافق الحكومية الأخرى.

ومن هنا نقول إنه من الاستحالة تحقيق عناصر النجاح التي يأمل الوزير تحقيقها في ظل الهيكلة الحالية للوزارة، والتي قد تظل عاجزة عن إتمام مهامها كما هو مأمول. ونحن لو أمعنا النظر في تجربة الوزير الناجحة في وزارة التجارة، ربما نستشف منها الاستعداد لدى الوزير بالتخلي عن المركزية والبيروقراطية وقد نجد أنفسنا أمام تغيير حقيقي في آليات عمل الوزارة.

النداءات التي تطالب بالتغيير ليست جديدة إلا أنها طالما افتقدت لجرأة الوزير الشجاع القادر على تحطيم قلاع البيروقراطية والنمطية السائدة بين دهاليزها وكان من أهم العوامل في السابق هو وجود الحرس القديم الذي طالما كبل الوزير الجديد عبر سيل من النصائح بالتريث وتجنب الحماس أو الاندفاع باتجاه تغييرات حقيقية وقرارات مفصلية.

في بلادنا الغالية المترامية الأطراف يوجد قرابة 20 مديرية صحية منها 12 مديرية حسب المناطق الإدارية، بينما الثمانية الأخرى تتصل مباشرة بالوزارة، والمهمة الأساسية لهذه المديريات الـ 20 هي تنفيذ السياسة العامة للوزارة دون صلاحيات واسعة مثل إقرار المشاريع والإشراف عليها والتوظيف والتدريب والتطوير وبالتالي فإن المدير العام تجده في طليعة المنتقدين لبعض المشاريع أو التنظيمات لأنه ببساطة غير مشارك بصنعها وبالتالي لن يكون يوما في موقع المسؤولية وكثيرا ما نجدهم مكبلين غير قادرين على اتخاذ أبسط القرارات التي تتعلق بأداء أحد المستشفيات التي تتبع إدارته، بل إن المديرية نفسها قد لا تستطيع الاستجابة بسرعة كافية أحيانا لتوسلات أقرباء مريض يحتاج لإخلاء طبي إلى مركز متقدم في العاصمة.

إن العصر الذي نعيشه وفي عالم الانترنت والتواصل الاجتماعي سريع جدا، مما يدفع ذوي المريض إلى استجداء العامة والمشاهير ورجال الخير عبر تويتر، على متابعة معاملة بطيئة تحتاج إلى المرور عبر قنوات عدة قد تعطل تنفيذها أو أنها تأتي بعد فوات الأوان.

لو أن الوزارة شرعت بتوزيع صلاحياتها وأوعزت لكل مدير شؤون صحية في مناطقنا بمهام وصلاحيات وزير دون الحاجة للعودة إليها، لربما تصبح القرارات التي تخدم المرضى بعيدة عن روتين وبطء البريد الحكومي الذي قد يظل حبيسا لشهور في أدراج موظف ساخط يخوض صراعا من نوع آخر وفي دائرة أخرى ليحصل على ترقية متعثرة!

حينها (تتخلص) الوزارة من كثير من هذه المهمات خاصة المتعلقة بشؤون المرضى ويصبح الوزير أشبه برئيس حكومة مصغرة يعقد جلسة أسبوعية تلفزيونية عبر الانترنت والتي أصبحت متاحة وبسهولة في عصرنا هذا، يستطيع من خلالها الإشراف ومتابعة سير عمل هذه المديريات ومعرفة أداء المديرين وتحميلهم مسؤولية الإخفاق، كما أنها فرصة كبيرة ليجد التباين الواضح بين هذه المديريات وإذكاء روح المنافسة والتميز التي حتما ستخلقها هذه البيئة المحفزة على السعي والإتقان والتطوير الذاتي الذي يأمله الجميع وأولهم معالي الوزير ذاته.

حين تخطو الوزارة بهذا الاتجاه، في الفترة الانتقالية المهمة للغاية قبل التوجه نحو مشاريع التحول الوطني ورؤية 2030، فإن خدمات القطاع الصحي بالمملكة ستشهد تغيرا جذريا، الأمر الذي يضع الوزارة في بداية الطريق نحو التوجه إلى تشريع القوانين ومراقبة أداء المديريات الصحية في المناطق كافة، كما أنها ستتمكن من الإشراف المباشر على إنجاز المشاريع المستقبلية ومتابعتها وتذليل كل السبل للحد من تعثر إعمار وتجهيز المستشفيات والمدن الطبية التي أصبحت ظاهرة واضحة للعيان.