محمد حطحوط

لماذا نتراجع ويتقدم غيرنا؟

الثلاثاء - 07 يونيو 2016

Tue - 07 Jun 2016

أبدأ بتقرير نشرته اليونسكو يقول: إن معدل نشر الكتاب في العالم العربي لم يتجاوز نسبة 7 %، بل إن نسبة الأمية في العالم العربي في الكبار 42 %، وهذا رقم مخيف جدا، يتأكد هذا إذا علمت أن اليابان - مثلا - قد تخلصت من الأمية قبل نهاية القرن التاسع عشر، بل إن نصيب كل مليون عربي من الكتب المنشورة في العالم لا يتجاوز الثلاثين كتابا، مقابل 584 كتابا لكل مليون أوروبي و212 لكل مليون أمريكي، مما يؤكد أن مستويات القراءة في العالم العربي متدنية مقارنة بالمعدلات العالمية. كما تتراوح أعداد النسخ المطبوعة من الكتاب العربي في المعدل العام بين ألف إلى ثلاثة آلاف نسخة وفق تقرير التنمية البشرية الأخير، بينما يبلغ عدد النسخ المطبوعة للكتاب في أوروبا وأمريكا عشرات الآلاف الأمر الذي يعكس مدى تدني صناعة الكتاب في العالم العربي. وعلى الرغم من أنني أتحفظ على مثل هذه الإحصائيات، إذ إن عملية جمعها ليست دقيقة وفي بعضها مبالغات، لكن يجب أن نعترف في ذات الوقت أن معدل القراءة يبقى متدنيا.

أحس دائما بالامتعاض الشديد عندما استذكر أياما قضيتها في إحدى دول أمريكا الشمالية، حيث كان منظر الكتاب مألوفا جدا، فتراه في موقف انتظار الباص، والقطار والشارع والطائرة والمتنزه وفي كل مكان، بينما تجده شبه معدوم لدينا، وما نشاهده من زهد لدى الجمهرة الكبرى من الناس في مختلف المستويات هو خير دليل، فهم في معظمهم لا يعرفون متعة القراءة ولا يشعرون بالحاجة إلى التنقيب في كنوز الكتب، وإن قرؤوا فغاية ذلك كتب أو صفحات غثائية هشة المعاني والمضامين لا تؤسس علما، ولا تبني ثقافة جادة تحتاجها الأمة للخروج من أزمتها الحضارية، ولا تصقل عقلا مبدعا ينير الطريق.

وبدلا من البكاء والنياحة وربما لطم الخدود على حالنا، يظل السؤال قائما: ما دور كل واحد منا في مواجهة هذه المشكلة؟ وما أكثر الذين يتباكون هنا وهناك وتبح أصواتهم ولكن يفتقدون رؤية واضحة، وطرقا عملية حتى نخرج من هذه المعضلة، فكثير من المفكرين والكتاب لديهم رسالة جلية، لكن جلاء الرسالة لا يفيد كثيرا في حال انعدام الرؤية، وأي مشروع يفتقد أحد هذين المقومين فمآله للزوال لا محالة، وهذا لا يعفي بأي حال أي أحد من المسؤولية الملقاة على عاتقه.

وحتى نتعمق أكثر ونتلمس الجرح أرى أن من أهم أسباب عزوفنا عن القراءة أننا لا نجيد غالبا فن انتقاء الكتاب المناسب، لذلك قد تكون مرحلة اختيار الكتاب أهم من القراءة ذاتها؛ لأن القارئ لا يمكن أن يقرأ شيئا لا تميل إليه نفسه، ذلك لافتقاده أهم مقومات القراءة وهو عنصر التشويق خصوصا للمبتدئين في القراءة. وكم أتمنى كذلك من أعماق قلبي أن يأتي ذلك اليوم الذي يزدحم فيه شبابنا على الكتب والمكتبات، ويبدؤون يستجيشون نفوسهم ويستثيرونها، وينهلون من شتى العلوم والمعارف على اختلاف أشكالها وألوانها!!

يقول علي الطنطاوي عن نفسه رحمه الله «بدأت أقرأ سنة 1335هـ ونحن اليوم في 1405هـ وأنا أقرأ أكثر ساعات ليلي ونهاري، فلو قدرت لكل يوم مئة صفحة، وأنا أقرأ أضعافها، لكان مجموع ما قرأت مليونين ونصف».

قلت: إن أردتَ أن تعرف ثمرة هذه السنين من البحث والاطلاع، فاقرأ «صور وخواطر» أو «قصص من التاريخ». هل علمتم لماذا تقدم الغرب وتأخر الشرق؟ لأنهم طبقوا (اقرأ) ولأننا حفظناها فقط!