عبدالغني القش

رمضان وشرب الماء.. سفهاء وصمت علماء!

الثلاثاء - 07 يونيو 2016

Tue - 07 Jun 2016

ها هي أنوار شهر رمضان المبارك قد أشرقت وأيامه حلت، وهو لا يحتاج لمزيد اجتهاد لبيان فضله ومكانته، فهو سيد الشهور بالاتفاق.

وغني عن القول إنه يحل هذا العام في ظل أوضاع مختلفة، ومتغيرات تحيط بالعالم، وبخاصة في حدودنا الجنوبية التي تعيش أوضاعا مغايرة، وجنودنا على الثغور مرابطون، ولحدودنا حامون، نسأل الله لهم النصر المبين.

وقد ظهر بعض السفهاء الذين يطالبون بتجويز شرب الماء في نهار رمضان، في استخفاف عجيب، وبصراحة تمثل في واقعها وقاحة، إذ هو مخالف لإجماع الأمة، والنصوص كثيرة ومؤكدة، والمؤلم أن يتم نشر ذلك على الملأ ومن هذه البلاد، وكان التعامل معه باهتا جدا؛ فهيئة كبار العلماء لم تحرك ساكنا كعادتها، واقتصر الوضع على هاشتاق في تويتر للرد والسخرية من هكذا مطلب!

وقد عادت مرة أخرى لوثة المطالبة بدليل على الجزئيات، فتجد أحدهم يسأل عن دليل على التحريم، فتجده يذكر جزئية معينة، والدليل على العموم لا على الخصوص، فظهر تحليل الموسيقى والمخدرات وغيرها بعلّة عدم وجود دليل صريح، وها هي اللوثة تصل لتجويز شرب الماء في نهار رمضان!

وقد طالب الكثيرون بضرورة التصدي لمثل هذا الفكر وبيان شمولية شرعنا المطهر، وأصول الشرع الأربعة (الكتاب والسنة والقياس والإجماع)، وأذكر مرة أن أحدهم سأل شيخا عن دليل صريح يحرم المخدرات فسأله الشيخ هات لي دليلا يجيز أكل البرتقال وآخر للتفاح، فألجم السائل؛ لأن النصوص العامة يندرج تحتها جزئيات صغيرة.

ومما يسوء المرء هو الوضع المجتمعي الذي يبدو أنه أزلي، ويرسم حوله العديد من علامات الدهشة، ويتمثل بهذا الإسراف العجيب؛ فنشاهد منظر الأسواق وقد اكتظت بكم هائل من المتسوقين، يتسابقون سباقا مدهشا على الشراء والاقتناء، الأمر الذي يزيد من درجة التعجب ويثير الكثير من التساؤلات، فقد بات استقبال شهر الصوم بكثرة الأطعمة التي ضاقت بها البيوت ذرعا، وأجزم بأنها زائدة عن الحد وتفوق الوصف والعد، فالمرء يعتصره الألم حين يشاهد شخصا وقد اصطحب العربات وامتلأت سيارته بكميات من السلع، في مظهر محزن من الإسراف!

ليبقى السؤال قائما: متى يفيق هؤلاء وينتهون عن مثل هذا السفه؟

وما زلنا نشاهد الدعاية التي تستخدم كلمة رمضان لتسويق المنتج، ويتبع ذلك تخفيض أو إعلان لسلع معينة وكأن الناس لا تأكل إلا فيه، ومن المؤسف أن توصف بعض السلع بأوصاف عجيبة كأن يقال مشروب رمضان أو يصورون منتجا مع عبارة «رمضان كريم» وغير ذلك، وهنا يتساءل الجميع عن دور وزارة التجارة لمنع مثل هذه الدعايات التي تسيء إلى قدسية هذا الشهر المبارك بإلصاقها فيه!

وبالنظر للقنوات الفضائية وما يعرف بالمسلسلات والأفلام الرمضانية وبعض البرامج التي يتم تقديمها خلال هذا الشهر فحدث ولا حرج، وها هنا همسة في أذن القائمين على بعض القنوات الفضائية أن يتذكروا الله في هذا الشهر فلا يقدموا للناس إلا ما يتوافق مع قدسيته؛ فلا لهو ولا إسفاف ولا مشاهد هابطة، ولا أغاني ماجنة، فهم يعيشون معنا أياما فاضلة وأوقاتا مباركة يتفق العقلاء على احترامها وعدم خدشها أو محاولة المساس بها.

كم نحن بحاجة ماسة لعودة هوية رمضان الإسلامية، رمضان مدرسة الصبر والعمل، فهو شهر النصر (وبخاصة أن لنا إخوة مرابطين على حدودنا في الجنوب ومعهم مقاتلون لعودة الشرعية لليمن الشقيق) والتعرض للنفحات، واستغلال الأوقات في الطاعات والروحانيات وغيرها من المعاني السامية والمفاهيم النبيلة؛ لتعود لرمضان هويته ومعها تشع روحانيته، بلا إسفاف أو إسراف، فهل يفعل مجتمعنا؟

[email protected]