الأعمال الفنية والإرهاب
الأحد - 05 يونيو 2016
Sun - 05 Jun 2016
مع بداية كل شهر رمضاني تتكدس الأعمال الفنية من مسلسلات تاريخية وكوميدية واجتماعية وبرامج، بحثا عن المشاهد الذي يسهل اصطياده خلال ساعات معينة من اليوم، حيث يكون ملزما بالجلوس في أوقات محددة في هذا الشهر. منذ سنوات نواجه رداءة مستمرة في الأعمال الفنية المحلية، وارتفاعا للحس التجاري على المضمون، ولهذا تنسى سريعا أغلب هذه الأعمال بعد ساعات من العرض فكيف بسنوات! ومع انتشار تقنية التواصل أصبح كثير من هذه الأعمال الفنية مجرد تجميع لمخلفات العام من مقاطع وتغريدات وصراعات بدون إبداع فني خاص، وفي السنوات العشر الأخيرة أصبح التفكير باستفزاز فئة معينة مغريا لسهولة إثارة ضجة وتسويق أعمال ضعيفة أصلا. وتسمح الانقسامات القائمة على خصومات مسبقة في إضعاف الجانب النقدي وحضور المجاملات الشخصية.
فلم يقدم محليا أعمال جيدة مثلا في نقد ظاهرة الإرهاب منذ عقد ونصف، وما قدم جزء كبير منه لا يوجد فيه نصوص مميزة، وقائم على محاولة التشويه التقليدي المباشر. وكان فشل مسلسل «الحور العين» أبرز الأعمال الرديئة والمملة التي عرضت من إخراج نجدة أنزور. وهذا الفشل كبير أثر فيما بعد على القدرة على تناولها فنيا، وما قدم بعدها من حلقات في برنامج طاش أو واي فاي مثلا، لم تقدم أفكارا عميقة تعبر عن إشكالية التطرف اجتماعيا ونفسيا في مجتمعنا بعيدا عن شيطنة لفئة مشيطنة أصلا وبكثافة في المجتمع والخطاب الإعلامي.
قدمت التجربة في السينما المصرية شيئا في هذا المجال في أفلام مشهورة عدة ما بين 1989 م إلى 2007 م، وبعضها كان فيه جوانب تميز.. جعلها تستمر في ذاكرة الجمهور، وبعضها فشل سريعا.
في عام 1989 جاء فيلم الإرهاب لنادية الجندي وفاروق الفيشاوي وصلاح قابيل، وميزة فكرته أنها لم تدخل أجواء إرهاب وضغط التسعينات في مصر، فالجندي تقوم بدور صحفية نشيطة تغطي حدثا إرهابيا ثم تتعاطف مع الإرهابي وتتوقع أنه بريء. ثم تكتشف لاحقا أنه إرهابي كبير!
أما «إرهاب وكباب» 1992م، ففكرته الأصلية أكثر تميزا من عنوانه الذي أضعفه في نظري، ولم يكن بقوة محتواه، حيث يمثل عادل إمام دور الموظف الذي ذهب يراجع في دائرة حكومية لنقل ابنه، وحدث له حكاية طويلة من البيروقراطية والتعطيل، وتتخلله بعض المشاهد الاجتماعية كتسيب الموظفين، وبعضهم يكون متدينا. وخلال مراجعته يحدث صراخ في المبنى وإطلاق نار، ليتورط هذا المراجع بالغلط، وأصبح كأنه إرهابي خطف رهائن.
ثم جاء بعده في 1994 فيلم الإرهابي عادل إمام مع شيرين، ويدخل بصورة أعمق مع مشكلة الفكرة الدينية والتطرف، وإن كان بعضها يبدو متحاملا ومبالغا في التشويه لكن فكرة الفيلم جيدة، وتحوي حوارات كثيرة ومهمة، تكشف جوانب إشكالية المتلبس بالتطرف وبين واقعه، حيث يتورط شاب بعمل إرهابي ويهرب ثم يصاب بحادث مروري، ويجلس عند أسرة ثرية أنقذته تحت العلاج، وعاش معهم فترة ليشاهد حياة أخرى، تتناقض مع مبادئه، وهو يعتبرهم كفارا، ومثل دور أستاذ جامعي كتضليل بسبب شنطته وما فيها من كتب أكاديمية، لأن العملية الإرهابية كانت مرتبطة بذلك. ويبرز في بعض الحوارات الجانب القبطي حيث أسرة من الأقباط، يختفي الإرهابي عندها عندما لاحقته الشرطة عند الأسرة الثرية. أما فيلم «الناجون من النار» 1994م، فقد كان أبرز الأفلام الفاشلة والمملة، على الرغم من أن فكرته مهمة حيث يحكي قصة أخوين، واحد في الجماعة وواحد يشتغل في الأمن، وقد حاول رجل الأمن أن يقنع أخاه بترك التنظيم فلم ينجح، قبل أن يحدث الصدام مع الجماعة ووجده مقتولا بينهم.
يتطور التناول أكثر ويتوسع في الدخول إلى تعقيدات الظاهرة في فيلم 1995م «طيور الظلام»، حيث تدور فكرته حول ثلاثة أصدقاء محامين، واحد تدين ويبدو انتهازيا مع الجماعة، والآخر انتهازي مناصب ووزارة، والثالث شعاراتي مخلص للقيم والعدالة. تسير بهم الحياة كل في اتجاهه، يحققون ما يريدون باستثناء واحد، ظل فقيرا، في وظيفة متواضعة وهو الشعاراتي، ويلتقون في السجن. ويتضمن حوارات نقدية عميقة اجتماعية وسياسية ودينية في الذاكرة طويلا.
لكن الإرهاب لم يعد يمكن اختزاله وتبسيطه، بعد سنوات طويلة يأتي فيلم مختلف وهو «حين ميسرة» 2007 م، فالظاهرة الإرهابية تزداد تعقيدا وتشابكا، ويهمش الجانب الديني فلا يتم تناوله مباشرة، وإنما كجانب محدود في قصص اجتماعية من عمق مأساة حياة البؤس والفقر في المجتمع المصري والمشردين، وكيف اضطر لأخذ مئة ألف جنية لعلمية إرهابية، واضطر أيضا للاستقواء بالحكومة وعمل مرشدا لضابط أمن، وكيف تطورت علاقته بأمير جماعة إرهابية ليعود كبلطجي للحي، وهذا العمل يبدو أكثر شمولية في تناول مثل هذه الظواهر بطريقة غير مباشرة، وكيف أن الحياة تضغط على الفرد، فيقول عمرو سعد في دور عادل «الحياة بتحتكّ فيا مش أنا، طول عمري بجنب الحيطة»!
[email protected]
فلم يقدم محليا أعمال جيدة مثلا في نقد ظاهرة الإرهاب منذ عقد ونصف، وما قدم جزء كبير منه لا يوجد فيه نصوص مميزة، وقائم على محاولة التشويه التقليدي المباشر. وكان فشل مسلسل «الحور العين» أبرز الأعمال الرديئة والمملة التي عرضت من إخراج نجدة أنزور. وهذا الفشل كبير أثر فيما بعد على القدرة على تناولها فنيا، وما قدم بعدها من حلقات في برنامج طاش أو واي فاي مثلا، لم تقدم أفكارا عميقة تعبر عن إشكالية التطرف اجتماعيا ونفسيا في مجتمعنا بعيدا عن شيطنة لفئة مشيطنة أصلا وبكثافة في المجتمع والخطاب الإعلامي.
قدمت التجربة في السينما المصرية شيئا في هذا المجال في أفلام مشهورة عدة ما بين 1989 م إلى 2007 م، وبعضها كان فيه جوانب تميز.. جعلها تستمر في ذاكرة الجمهور، وبعضها فشل سريعا.
في عام 1989 جاء فيلم الإرهاب لنادية الجندي وفاروق الفيشاوي وصلاح قابيل، وميزة فكرته أنها لم تدخل أجواء إرهاب وضغط التسعينات في مصر، فالجندي تقوم بدور صحفية نشيطة تغطي حدثا إرهابيا ثم تتعاطف مع الإرهابي وتتوقع أنه بريء. ثم تكتشف لاحقا أنه إرهابي كبير!
أما «إرهاب وكباب» 1992م، ففكرته الأصلية أكثر تميزا من عنوانه الذي أضعفه في نظري، ولم يكن بقوة محتواه، حيث يمثل عادل إمام دور الموظف الذي ذهب يراجع في دائرة حكومية لنقل ابنه، وحدث له حكاية طويلة من البيروقراطية والتعطيل، وتتخلله بعض المشاهد الاجتماعية كتسيب الموظفين، وبعضهم يكون متدينا. وخلال مراجعته يحدث صراخ في المبنى وإطلاق نار، ليتورط هذا المراجع بالغلط، وأصبح كأنه إرهابي خطف رهائن.
ثم جاء بعده في 1994 فيلم الإرهابي عادل إمام مع شيرين، ويدخل بصورة أعمق مع مشكلة الفكرة الدينية والتطرف، وإن كان بعضها يبدو متحاملا ومبالغا في التشويه لكن فكرة الفيلم جيدة، وتحوي حوارات كثيرة ومهمة، تكشف جوانب إشكالية المتلبس بالتطرف وبين واقعه، حيث يتورط شاب بعمل إرهابي ويهرب ثم يصاب بحادث مروري، ويجلس عند أسرة ثرية أنقذته تحت العلاج، وعاش معهم فترة ليشاهد حياة أخرى، تتناقض مع مبادئه، وهو يعتبرهم كفارا، ومثل دور أستاذ جامعي كتضليل بسبب شنطته وما فيها من كتب أكاديمية، لأن العملية الإرهابية كانت مرتبطة بذلك. ويبرز في بعض الحوارات الجانب القبطي حيث أسرة من الأقباط، يختفي الإرهابي عندها عندما لاحقته الشرطة عند الأسرة الثرية. أما فيلم «الناجون من النار» 1994م، فقد كان أبرز الأفلام الفاشلة والمملة، على الرغم من أن فكرته مهمة حيث يحكي قصة أخوين، واحد في الجماعة وواحد يشتغل في الأمن، وقد حاول رجل الأمن أن يقنع أخاه بترك التنظيم فلم ينجح، قبل أن يحدث الصدام مع الجماعة ووجده مقتولا بينهم.
يتطور التناول أكثر ويتوسع في الدخول إلى تعقيدات الظاهرة في فيلم 1995م «طيور الظلام»، حيث تدور فكرته حول ثلاثة أصدقاء محامين، واحد تدين ويبدو انتهازيا مع الجماعة، والآخر انتهازي مناصب ووزارة، والثالث شعاراتي مخلص للقيم والعدالة. تسير بهم الحياة كل في اتجاهه، يحققون ما يريدون باستثناء واحد، ظل فقيرا، في وظيفة متواضعة وهو الشعاراتي، ويلتقون في السجن. ويتضمن حوارات نقدية عميقة اجتماعية وسياسية ودينية في الذاكرة طويلا.
لكن الإرهاب لم يعد يمكن اختزاله وتبسيطه، بعد سنوات طويلة يأتي فيلم مختلف وهو «حين ميسرة» 2007 م، فالظاهرة الإرهابية تزداد تعقيدا وتشابكا، ويهمش الجانب الديني فلا يتم تناوله مباشرة، وإنما كجانب محدود في قصص اجتماعية من عمق مأساة حياة البؤس والفقر في المجتمع المصري والمشردين، وكيف اضطر لأخذ مئة ألف جنية لعلمية إرهابية، واضطر أيضا للاستقواء بالحكومة وعمل مرشدا لضابط أمن، وكيف تطورت علاقته بأمير جماعة إرهابية ليعود كبلطجي للحي، وهذا العمل يبدو أكثر شمولية في تناول مثل هذه الظواهر بطريقة غير مباشرة، وكيف أن الحياة تضغط على الفرد، فيقول عمرو سعد في دور عادل «الحياة بتحتكّ فيا مش أنا، طول عمري بجنب الحيطة»!
[email protected]