فاتن محمد حسين

أعتذر منك.. لأنني أحبك

الثلاثاء - 31 مايو 2016

Tue - 31 May 2016

هناك حقائق ثابتة في منظومة الحياة تنطبق على جميع البشر وهي أننا جميعا (خطاؤون) نقترف الأخطاء إما عن جهل أو عدم معرفة أو خبرة أو دراية ببواطن الأمور وذلك مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام: «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون»..

ويعتبر كتاب (اعتذار الدقيقة الواحدة) للمؤلفين (بلانشارد وماكبرايد) من أجمل الكتب في فن العلاقات الإنسانية نظرا لارتباطها بحياة الناس ليس على مستوى العلاقات الاجتماعية العامة فحسب بل على مستوى العمل الإداري وما تحققه الشركات والأعمال من نجاحات لتطبيق تلك المبادئ والقيم في الاعتذار، حيث إن توتر علاقاتنا الإنسانية والاجتماعية هو بسبب جهلنا وعدم إدراكنا لحقائق نفسية ونظريات اجتماعية غائبة عن سلوكياتنا وتعاملاتنا مع الآخرين، ولعلي هنا أسلط الضوء على بعض منها علها تكون إضاءات لنا في إعادة ترميم علاقاتنا وتعاملاتنا خاصة ونحن مقبلون على شهر رمضان المبارك.

وأولى هذه النظريات تعتمد على إدراك الشخص للخطأ الذي ارتكبه في حق الآخرين ثم التأكد من أن الشخص أو الأشخاص الذين أصابهم الضرر من جراء الخطأ يشعرون أنك على علم بخطئك ولا بد لك من الاعتذار. ولكن الكثير منا - للأسف - يتجاهل هذا الخطأ ويعتقد أنه على صواب وفي هذا أكبر خداع للذات. وهذا يكلف الإنسان ثمنا غاليا في علاقاته مع الآخرين وفي نظرة المجتمع له وكان الأحرى به أن يكون متواضعا وشجاعا في عدم التمادي بالخطأ وتقديم الاعتذار حينما يصدر عنه كلمة جارحة أو رسالة مقصودة أو غير مقصودة تحمل الكثير خاصة إذا ما اعتبرها الشخص الآخر إساءة مباشرة له حتى ولو كانت في مفهومه الشخصي غير مسيئة أو تمثل واقعا. فعدم الاعتذار يؤدي إلى نكوص للعلاقات الإنسانية والاجتماعية بل قد تتطور العلاقات إلى حرب شعواء من قطع للعلاقات وقذف وغيبة ونميمة وقلق وحقد يظل يحمله ذلك الشخص في صدره. ويقول مؤلفا كتاب (اعتذار الدقيقة الواحدة) «إن الإرث الذي ستتركه هو الحياة التي تعيشها» وهذه من أجمل نظريات الكتاب لأن الأخطاء التي ترتكبها تكون الصورة الأساسية عنك عند الناس في هذه الحياة.

المشكلة الأساسية في عدم الاعتذار من البعض هي كما يقول (بلانشارد وماكبرايد) هي عندما يفقد المرء المنظور الصحيح للأشياء ويبدأ في النظر إلى نفسه وكأنه مركز الكون فإن هذا يعتبر علاقة من حالات الغرور الخارج عن السيطرة والقصد هنا (الكبرياء الزائف) الذي يعطيه الإنسان لنفسه أكثر ويرفض الاعتذار دفاعا عن هذا الكبرياء مما يؤدي إلى مزيد من توتر العلاقات بل تمددها على محاور مختلفة.

ولكن قد تصل تشابك العلاقات وتضارب الآراء إلى نوع من الصراع في الاعتذار لذا فإن وجود وسيط محايد يتصف بالحكمة والشجاعة بين الطرفين أمر حيوي في إعادة العلاقات.

كما أن التكفير عن الخطأ بالاعتذار أولا ثم عمل شيء ما يبرهن على عدم العودة لمثل ذلك السلوك ثم تغيير السلوك نحو الأفضل يوضح ليس فقط مدى إخلاصك الحقيقي للآخر بل يبرهن على ثقتك بنفسك وعلى عظم شخصيتك وعندها ستتخلص من مشاعر القلق والاضطراب التي تنتابك وتحافظ على صحتك النفسية والجسدية. والحقيقة فإن هذه أولى خطوات النجاح في العلاقات الإنسانية.

لقد كان أروع اعتذار في التاريخ حينما خطّأ بلال رضي الله عنه أبا ذر الغفاري في أمر من أمور الجيش فقال له «حتى أنت يا ابن السوداء تخطئني؟! « فغضب بلال ورفع أمره إلى الرسول الذي قال لأبي ذر «إنك امرؤ فيك جاهلية» فبكى أبو ذر على صنيعه ووضع خده في التراب وطلب من بلال أن يطأه برجله فبكى بلال وقال لا أطأ وجها سجد لله سجدة واحدة وقاما فتعانقا وتباكيا. موقف تاريخي عظيم في الاعتذار وهو من أعظم القيم الإسلامية، لأن الاعتذار يعني أنني أحبك، ولن أتخلى عنك، وسأحافظ على علاقتي بك وعلى المودة والحميمية التي بيننا مهما حدث.

فهل لدينا الجرأة والثقة لتقديم الاعتذار لمن أخطانا في حقهم؟