مرزوق تنباك

كنوز الأغنياء وحاجة الفقراء

الثلاثاء - 31 مايو 2016

Tue - 31 May 2016

تسمع كثيرا من الكلام مثل أن الفقراء بلا مال وأن الأغنياء بلا عطف عليهم ولا رحمة، وقد يكون هذا القول غير دقيق فليس كل الناس فقراء، وإنما الفقر والغنى نسبيان إلى حد كبير، وليس هناك من يستطيع أن يلغي الفقر في كل المجتمعات على وجه الأرض، حتى في الدول التي بلغت من الرفاهية لعموم سكانها مبلغا كبيرا مثل الدول الإسكندنافية هناك فيها فقر نسبي، وفيها حاجة ومستويات مختلفة من المعيشة بعيدة بين الأغنياء والفقراء.

وكذلك وصف الأغنياء بأنهم بلا عطف وشفقة على الفقراء هو تعميم في أحسن حالاته، وهو أيضا غير سديد فليس كل الأثرياء بلا عطف ولا يبذلون ما يجب عليهم لمساعدة الفقراء، ولا تستطيع صف كل غني بجانب غني آخر، ولا يصح نزع الشفقة والرحمة منهم بشكل عام، فالأغنياء في العالم والفقراء فيه يصنعون جميعا الثروة الوطنية لبلادهم، هذا بجهده وكده وذاك بماله وما أسبغ الله عليه من غنى.

وقد يأتي السؤال الأهم وهو كيف يتحول بعض الناس إلى أغنياء وبعضهم فقراء، ولماذا التفاوت الكبير بينهم. هذا الحال تحدثت عنه الشرائع والأديان وتحدث عنه المصلحون على مر التاريخ وبحثوا في الحلول الممكنة التي تقرب الفوارق بين الناس حيث تستحيل إزالتها وإلغاؤها وكيلا يكون لسطوة المال وقوته سبيل إلى النيل من جهد العامة وإذلالهم بالحاجة.

وقد عالج الإسلام هذه الفوارق المادية في المجتمع المسلم ففرض حقا ثابتا في أموال الأغنياء يؤخذ منهم فيرد على فقرائهم، وكانت الزكاة أول حق ملزم لكل من يملك حدا معينا من المال، وفصلت في ذلك وهو ما يشبه الضمان الاجتماعي في الوقت الحاضر، وهدفه رعاية الفقراء دون منة أو فضل من أحد، وفي العصر الحديث أطال علماء الاجتماع والفلاسفة الجدل محاولين علاج ظاهرة التفاوت بين الناس ودعوا إلى الرحمة بالفقراء والعطف على الضعفاء وحببوا عمل الخير، وأمروا بالإحسان وكان كل ذلك متروكا للناس وخياراتهم، فلما كان العصر الحديث أصبح لزاما على الدولة ضمان الحد المعقول من الحياة الكريمة لمواطنيها وصار من واجبها ضبط الفوارق الكبيرة بين من يملكون الكثير ومن لا يملكون غير الكفاف أو ما هو أقل من الكفاف، وقد كان تجريم الاحتكار إحدى الوسائل التي تمنع الغني من استغلال المال والثروة على حساب الفقراء.

أما في حاضرنا نحن في المملكة وفي دول الخليج بشكل عام فإن التفاوت الكبير بين الفقراء والأغنياء أصبح ظاهرة بارزة وبدأت تتسع الهوة بين الأكثرية محدودة الدخل أو متوسطة الدخل والقلة القليلة التي تحوز ثروات هائلة يكفي بعضها لسد حاجة نصف الشعب أو تزيد، ولم تأت هذه الأموال من نجاحات أهلها ولا كفاءتهم بشكل عام مثلما كان هذا حال الأغنياء والأثرياء في العالم الطبيعي الذي تنضبط به مجالات الكسب المشروعة، كانت أسباب الثروة في غير الدول الريعية هي العمل الدؤوب والصبر عليه والاستمرار فيه والقدرات الخاصة والفوارق الفردية واقتناص الفرص ومعرفة أماكنها وأوقاتها وكل ذلك يجعل الغني والثروة التي يحصل عليها مستحقة بخصائص الإنسان نفسه تلك الخصائص هي التي جعلت الناس يحترمون ثروته وجهده وقدرته، وهذا خلاف حال الأثرياء في الدول الريعية التي أتيحت لأثريائها فرص خاصة لم تتح لغيرهم، ولم تكن ثروات الكثير منهم نتيجة جهد وعمل وإنتاج وتميز في أشخاصهم ولا في قدراتهم، ولم تكن فرص الكسب بينهم وبين غيرهم متساوية حتى يكون للغني فضل يميزه، لكن حصل عليها أكثرهم لأسباب كثيرة لا أريد ذكرها، وليس ذكرها مهما بقدر أهمية علاج التفاوت الكبير بين قلة من الأثرياء الذين أتت ثرواتهم أكثر بكثير من قدراتهم، وأصبحت في أيديهم أرصدة أو أصول جامدة لا ينتفع منها غير أشخاصهم بينما تكون ثروات أثرياء العالم ينتفع بها الناس عامة وتدور دورة طبيعية في اقتصاد بلادهم كالتوظيف والإنتاج والمساهمة الفاعلة في الدخل القومي للأمة، أما أغنياء الدول الريعية فالأمر لا يكلفهم شيئا حتى التوظيف أو العمل في إدارة الثروات الطائلة التي حصلوا عليها غير موجود، وأغلبها ينطبق عليها وصف المال المكنوز الذي لا ينتفع به إلا شخص مالكه، وهو ما يجعل الهوة بين الأغنياء والفقراء واسعة وخطيرة.

إن المال الذي لا يعمل ولا يدور دورة طبيعية في صميم الاقتصاد الوطني ولا ينتفع به غير مالكه، مال معطل والواجب على المسؤولين عن السياسة المالية في دول الخليج خاصة البحث عن طرق تضمن الاستفادة من الأموال المكنوزة بدلا من تجميدها أو المغامرات التي تتوجه بها إلى استثمارات في طرق غير آمنة في الخارج.