عبدالعزيز الخضر

بين التحريض والاستطاعة ونشرات الأخبار!

الأحد - 29 مايو 2016

Sun - 29 May 2016

ليس هناك مشكلة في التعامل مع تحريض المستوى الأول للشباب كما أشرت في المقال الماضي، فجزء كبير من المعالجات الأمنية المحلية كانت منذ منتصف التسعينات في هذا المجال، لكن التداخل هو في المستويات الأخرى متى تعتبر تحريضا أم لا!؟ في البرنامج الوثائقي الذي عرضته قناة العربية تحدث هادي البقمي وأغلب الحديث له، كأحد ضحايا التحريض لكن عندما أشار للخطيب الذي حرضه من على المنبر، أشار بأنه كان يبكي، ولم يحدد ما هو الكلام الذي قاله، فمسألة بكاء الخطيب بحد ذاتها ليست كافية، وإنما ما يتضمنه خطابه من آراء دفعته لهذا الاتجاه، وتختلف عما يقوله غيره.

لماذا نعاني من تكرار مزمن في أخطاء الخطاب الذي يتحدث عن قضايا المسلمين والصراعات على المنابر ثم الآن على مختلف مواقع التواصل. في أعوام 2002 كتبت عدة مقالات حول جزء من هذه الإشكالية حول قضايا الجهاد والحديث عنه في أجواء مختلفة ومتوترة في ذروة الحماس مع طالبان هنا ضد الهجوم الأمريكي لإسقاطها، وحتى كتاب المقالات الصحفية لدينا انخرط بعضهم في هذه الحماسيات وبعضهم الآن يدعو لمحاسبة المحرضين والاستفادة من الذاكرة المثقوبة، فهجاء أمريكا موضوع جاذب للذهنية الشعبية ومريح للكاتب خاصة عندما يكون هناك انزعاج رسمي عربي منها!

بعد أكثر من عقد ونصف حدثت تغيرات وحذر عند كثير من أصحاب الخطاب الديني بعد أن أصبحت الساحة المحلية جزءا من معركة الإرهاب ولم تعد مجرد ظنون وأوهام، لكن بما أن مشكلات العالم العربي والإسلامي تتكرر وتتنوع المظالم السياسية وأسبابها، يعود خطاب الشحن تحت ضغط هذه الأزمات، وضغط نشرات الأخبار التي تستفز المجتمع، فمثلا هذه الأيام أخبار الفلوجة، ليست حدثا خاصا بالعراق عندما تنشر قناة العالم الرسمية التابعة لإيران قبل أيام صور قاسم سليماني وهو يجتمع بالقادة العسكريين في غرفة عمليات تحرير الفلوجة، وتشير بعض التكهنات بأن هناك تفاهما إيرانيا أمريكيا بهذا، ومع وجود الحشد الشعبي الذي يخل بصورة العراق كدولة لكل العراقيين وليست لميليشيا ولطائفة وتابعة لإيران.

هذه الممارسات الطائفية مع تقوم به إيران في سوريا، ومشاركة في قتل الشعب السوري وتدمير دولته منذ سنوات، بدوافع طائفية يجعل كل أحاديث العقلانية السياسية تحت امتحان صعب، أمام هذه المظالم، والانتهاكات منذ سنوات، والتي كانت جزءا من صناعة بيئة داعش وتوابعها. كيف يصنع خطاب عقلاني مع وجود هذه الممارسات، فقد تعقدت المهمة بالسنوات الأخيرة مع الانفتاح الإعلامي حيث أصبحت كثافة الأخبار المؤلمة بذاتها تشحن الكثير من الناس بدون الحاجة إلى خطباء منابر حيث تراجع دور المنبر كثيرا في هذه المرحلة. ولهذا قد يبدو هذا الخطاب التفاعلي أحد وسائل التنفيس الشعبي مع ما يحدث والتألم مع آلام الآخرين.

من الصعب توقع أن يصبح الكتاب والوعاظ والخطباء كلهم على قدر من الوعي بالأسلوب الأمثل لكيفية التفاعل مع مصائب إخوانهم المسلمين من دون أن يتحول هذا التفاعل إلى مسارات ضارة بقضايا المسلمين أنفسهم، كما حدث في كثير من الحالات.

الجهاد في الإسلام وكثرة النصوص الشرعية من القرآن والسنة لا تجعله مفهوما يمكن تهميشه بدعوى أنه من صناعة هذا الواعظ أو هذه الجماعة أو تلك الحركة. فحضوره الكبير في النص الشرعي في فضائل الأعمال، يزيد من مسؤوليتنا بأهمية وضع محددات عملية وواضحة تمنع هذا الانزلاق المتكرر، وحسم عدد من الأفكار المشوشة على الكثيرين، والتي استفاد منها الخطاب الجهادي المعاصر في توريط الكثيرين، وتقطع الأوهام بدعوى تعطيل الجهاد.

خلال أكثر من أزمة منذ الثمانينات لاحظت وجود تشابه في الخطاب الديني في طريقة التفاعل لحث المسلم على التفاعل مع أخيه المسلم، وهي دعوة نبيلة، لكن تتضمن مع الحماس والانفعال الموجه للحضور أو المشاهدين بأن يدعم كلا منا إخوانه «بما يستطيع» حتى في قنوات رسمية، ومن نقاشات قديمة مع مثل هذا النوع من الخطاب قبل أكثر من عقدين، وجدت أن ترك «مفهوم الاستطاعة» هكذا مفتوحا وعائما.. في أجواء مشحونة ليستقبله الشاب الذي ليس لديه مال كثير ليجاهد في ماله، فإنه يشعر بأنه يستطيع في جسده، وأن ليس لديه عذر بالبقاء، ويشعر بالإثم.. مع خطاب حماسي لا ينبه لهذه المسألة بوضوح. وهذا الإشكال أكثر ما كان واجهني في مناقشة هذا النوع من الخطاب الديني الهلامي حينها.

كيف يفهم الشاب مفهوم الاستطاعة بالنسبة لوضعه، وتركه عائما حتى الذين عارضوا أيام مرحلة الجهاد الأفغاني مسألة فرض العين التي قال بها عبدالله عزام وعارضه كثيرون، فإن إشكال الاستطاعة ظل باقيا، وهو الذي ضغط على كثير ممن جاءتهم فكرة الرحيل للجهاد حينها، ولا يزال، فالاستطاعة البدنية لعدم وجود أمراض أو إعاقة.. جعلتهم يشعرون بالإثم والتقصير بحق إخوانهم عند وجود أي صراع في منطقة ساخنة!



alkhedr.a@makkahnp.com