الفنان محمد عبدالوهاب من وجهة دينية.. كلمات في ذكراه
تفاعل
تفاعل
السبت - 28 مايو 2016
Sat - 28 May 2016
مفهومنا المحلي عن الفنان أنه صاحب كأس وزير نساء! وكان هذا المفهوم مشاركا في انحدار الحالة الفنية لدى الجيل، وهذه النظرة ليست وليدة العصر، وإنما هي وليدة ثقافة ممتدة منذ عصر الإسلام الأول الذي انتشرت فيه ثقافة القصاص أو ما نسميهم بالوعاظ في هذا العصر، ولأن الوعاظ غالبا من أنصاف المتعلمين وأرباعهم وأقل من ذلك، وكان ولا زال الذين يتلقون عنهم من العوام
لا يعرفون حقائق الدين، فإن ضررهم كان وخيما على الناس وعلى الثقافة العامة على حد سواء.
ولأن تصوير الفن بالاعتماد على الأحاديث النبوية بطريقة خاطئة وتوظيفها للهدف القصصي، والتمحلات في تفسير القرآن وتوجيه الآيات نحو هذا الهدف، ولاستخدام الفن لأغراض دنيئة من قبل مجان المسلمين على مر العصور، ولتشدد بعض العلماء في النهي دون إبراز الجانب الآخر من رأي الشريعة في الفن مع إسكات الرأي الآخر وإخافته من التهمة والقدح في الدين، كل هذه الأسباب وغيرها وضعت الفن في خانة التهمة غالبا، لا سيما في مجتمعنا المحلي.
وبات مستغربا أن يكون للفنان ميول إلى الدين والفضيلة مع المحافظة على فنه والارتقاء به، فإذا بنى مسجدا قالوا بتحريم الصلاة فيه لأنه من كسب الغناء المحرم، وإذا تصدق تنقصوا من أجره وصدقته، وإذا صلى قالوا لم تنفعه صلاته لأنها لو نفعته لنهته عن المنكر وهكذا، فيضعف الفنان عن التمسك بالدين أحيانا ويصبح نفسيا وشعوريا في صف المارقين عن الدين وإن كان
لا يرضى بغير الفضيلة.
ولا شك أن للفنانين أخطاء بحكم الواقع الذي وصل إليه الفن وباتوا مجبرين للتعايش معه.
الفنان عبدالوهاب فنان من نوع آخر ومن جيل آمن بأن الفن رسالة وليس عبثا برغم أنه عانى الحرب الشديدة من أهله فقد كان والده وعمه وأخوه من العلماء وأهل القرآن فحاولوا منعه بحكم سمعة الفن السيئة، وضربوه وآذوه، ولكنه أفلت منهم وقاتل من أجل رغبته في الفن. وبقي متمسكا بحبه للدين واحترامه له منذ بدأ شابا حتى توفي ولم يتخل عن مبدئه وإيمانه، خصوصا وأنه من رفاق أحمد شوقي وجيل الأدب الرصين المحافظ.
وبعد أن فرض رؤيته على مجتمعه كان يأتي إلى قريته في رمضان ويصوم مع أهله، وكان يقوم بعد السحور على منارة مسجد القرية ويبتهل بالدعاء والمديح النبوي بصوته الساحر فتخشع القلوب وتبكي العيون ويصرخ المحبون وجدا، ذلك الصوت القادم من الريف المصري إلى العالم كله، ثم يؤذن الفجر، واستمر على ذلك سنوات عدة.
وكان يحفظ القرآن كاملا بحكم العائلة ومكانتها العلمية واهتمامها بأولادها في هذا الجانب. إضافة إلى أن الفنان عبدالوهاب ينتمي نسبا إلى آل البيت النبوي فهو من أبناء الإمام الشعراني الصوفي الشهير، وكان أثر التصوف ظاهرا عليه في مدائحه وأعماله وروحانياته.
الذين عرفوا عبدالوهاب عرفوه مسلما ملتزما بالصلاة والصيام والامتناع عن الشرب، وكان من أجل الفن يمتنع عن كثير من الأكل والمشروبات العادية كالشاي وغيره حفاظا على صوته.
وكان الكاتب الراحل أنيس منصور رحمه الله يفطر على مائدته في رمضان ويحكي طرائف كثيرة عنه.
يقول فادي عبدالله عن عبدالوهاب: «تتلمذ على يدي الشيخ درويش الحريري في الموشحات، بالإضافة إلى تتلمذه على يد العلم الأبرز في الإنشاد والتلاوة الشيخ علي محمود، ويمكن للمستمع المدقق أن يلاحظ احتمال صدق القصة التي تقول إنه لجأ إلى الشيخ علي محمود بعد أن استعصى عليه تلحين (أنا هيمان) من أغنية الكرنك، إذ يعثر فيها المرء على خروج تام من مناخ الأغنية إلى أداء مشايخي مخصوص قبل العودة إلى رومانسية اللحن الوهابي، والحق أن الأداء المشايخي ولعبه بالإيقاع لم يكن غائبا عن عبد الوهاب، كما في تسجيله شابا لموشح (ملا الكاسات) لمحمد عثمان».
وكان لعبدالوهاب جلسات طويلة مع القراء الكبار من أمثال الشيخ محمد عمران، وهناك تسجيل نادر كان الشيخ عمران يؤدي موالا في حالة من انتشاء وتأثر عبدالوهاب.
وفي لقاء تلفزيوني معه في ذكرى وفاة أم كلثوم، تحدث بأنه كان يتكلم مع أم كلثوم على الهاتف في كل شيء حتى في الموت، وذكر بأنها كانت تتحدث عن الموت وتقول: «إن للموت لسكرات».
كان كبار الفنانين من أمثال سيد درويش وعبدالوهاب وأم كلثوم وسيد مكاوي ومحمد الكحلاوي وعبدالحليم والسنباطي والشيخ إمام وياسمين الخيام وغيرهم كثير، يحملون شعورا دينيا عميقا كما هو موثق في سيرهم، وغالبهم أبناء قراء ومشايخ وعلماء، ولا يخلو إنسان من أخطاء، ولكنهم لم يكونوا ينظرون إلى الفن على أنه طريق إلى الغرائز والتفلت والمجون، بل كانوا ينظرون إليه على أنه صناعة ورسالة وجمال وسحر حلال، ولذلك كان أثر أغانيهم الدينية والوطنية والعاطفية ممتدا إلى الآن وإلى الأجيال القادمة. والكلام يطول ولكن علينا أن نعلم أننا حسب مفاهيمنا للأشياء ونظرتنا لها نصنع كل نتائجها ونسهم في صوابها وخطئها.
لا يعرفون حقائق الدين، فإن ضررهم كان وخيما على الناس وعلى الثقافة العامة على حد سواء.
ولأن تصوير الفن بالاعتماد على الأحاديث النبوية بطريقة خاطئة وتوظيفها للهدف القصصي، والتمحلات في تفسير القرآن وتوجيه الآيات نحو هذا الهدف، ولاستخدام الفن لأغراض دنيئة من قبل مجان المسلمين على مر العصور، ولتشدد بعض العلماء في النهي دون إبراز الجانب الآخر من رأي الشريعة في الفن مع إسكات الرأي الآخر وإخافته من التهمة والقدح في الدين، كل هذه الأسباب وغيرها وضعت الفن في خانة التهمة غالبا، لا سيما في مجتمعنا المحلي.
وبات مستغربا أن يكون للفنان ميول إلى الدين والفضيلة مع المحافظة على فنه والارتقاء به، فإذا بنى مسجدا قالوا بتحريم الصلاة فيه لأنه من كسب الغناء المحرم، وإذا تصدق تنقصوا من أجره وصدقته، وإذا صلى قالوا لم تنفعه صلاته لأنها لو نفعته لنهته عن المنكر وهكذا، فيضعف الفنان عن التمسك بالدين أحيانا ويصبح نفسيا وشعوريا في صف المارقين عن الدين وإن كان
لا يرضى بغير الفضيلة.
ولا شك أن للفنانين أخطاء بحكم الواقع الذي وصل إليه الفن وباتوا مجبرين للتعايش معه.
الفنان عبدالوهاب فنان من نوع آخر ومن جيل آمن بأن الفن رسالة وليس عبثا برغم أنه عانى الحرب الشديدة من أهله فقد كان والده وعمه وأخوه من العلماء وأهل القرآن فحاولوا منعه بحكم سمعة الفن السيئة، وضربوه وآذوه، ولكنه أفلت منهم وقاتل من أجل رغبته في الفن. وبقي متمسكا بحبه للدين واحترامه له منذ بدأ شابا حتى توفي ولم يتخل عن مبدئه وإيمانه، خصوصا وأنه من رفاق أحمد شوقي وجيل الأدب الرصين المحافظ.
وبعد أن فرض رؤيته على مجتمعه كان يأتي إلى قريته في رمضان ويصوم مع أهله، وكان يقوم بعد السحور على منارة مسجد القرية ويبتهل بالدعاء والمديح النبوي بصوته الساحر فتخشع القلوب وتبكي العيون ويصرخ المحبون وجدا، ذلك الصوت القادم من الريف المصري إلى العالم كله، ثم يؤذن الفجر، واستمر على ذلك سنوات عدة.
وكان يحفظ القرآن كاملا بحكم العائلة ومكانتها العلمية واهتمامها بأولادها في هذا الجانب. إضافة إلى أن الفنان عبدالوهاب ينتمي نسبا إلى آل البيت النبوي فهو من أبناء الإمام الشعراني الصوفي الشهير، وكان أثر التصوف ظاهرا عليه في مدائحه وأعماله وروحانياته.
الذين عرفوا عبدالوهاب عرفوه مسلما ملتزما بالصلاة والصيام والامتناع عن الشرب، وكان من أجل الفن يمتنع عن كثير من الأكل والمشروبات العادية كالشاي وغيره حفاظا على صوته.
وكان الكاتب الراحل أنيس منصور رحمه الله يفطر على مائدته في رمضان ويحكي طرائف كثيرة عنه.
يقول فادي عبدالله عن عبدالوهاب: «تتلمذ على يدي الشيخ درويش الحريري في الموشحات، بالإضافة إلى تتلمذه على يد العلم الأبرز في الإنشاد والتلاوة الشيخ علي محمود، ويمكن للمستمع المدقق أن يلاحظ احتمال صدق القصة التي تقول إنه لجأ إلى الشيخ علي محمود بعد أن استعصى عليه تلحين (أنا هيمان) من أغنية الكرنك، إذ يعثر فيها المرء على خروج تام من مناخ الأغنية إلى أداء مشايخي مخصوص قبل العودة إلى رومانسية اللحن الوهابي، والحق أن الأداء المشايخي ولعبه بالإيقاع لم يكن غائبا عن عبد الوهاب، كما في تسجيله شابا لموشح (ملا الكاسات) لمحمد عثمان».
وكان لعبدالوهاب جلسات طويلة مع القراء الكبار من أمثال الشيخ محمد عمران، وهناك تسجيل نادر كان الشيخ عمران يؤدي موالا في حالة من انتشاء وتأثر عبدالوهاب.
وفي لقاء تلفزيوني معه في ذكرى وفاة أم كلثوم، تحدث بأنه كان يتكلم مع أم كلثوم على الهاتف في كل شيء حتى في الموت، وذكر بأنها كانت تتحدث عن الموت وتقول: «إن للموت لسكرات».
كان كبار الفنانين من أمثال سيد درويش وعبدالوهاب وأم كلثوم وسيد مكاوي ومحمد الكحلاوي وعبدالحليم والسنباطي والشيخ إمام وياسمين الخيام وغيرهم كثير، يحملون شعورا دينيا عميقا كما هو موثق في سيرهم، وغالبهم أبناء قراء ومشايخ وعلماء، ولا يخلو إنسان من أخطاء، ولكنهم لم يكونوا ينظرون إلى الفن على أنه طريق إلى الغرائز والتفلت والمجون، بل كانوا ينظرون إليه على أنه صناعة ورسالة وجمال وسحر حلال، ولذلك كان أثر أغانيهم الدينية والوطنية والعاطفية ممتدا إلى الآن وإلى الأجيال القادمة. والكلام يطول ولكن علينا أن نعلم أننا حسب مفاهيمنا للأشياء ونظرتنا لها نصنع كل نتائجها ونسهم في صوابها وخطئها.