الحكومة تركت الأسباب وحاكمت النتائج!
السبت - 28 مايو 2016
Sat - 28 May 2016
أصابني الذهول حين مررت ببلدة داخل الوطن مدمرة بالكامل، وكأن زلزالا مر بها فقلبها رأسا على عقب، كأن لم تغن بالأمس، ينتشر الدمار على امتداد النظر، وقد مررت بها سابقا تزدان بالمباني نهارا، وبالإضاءة المميزة ليلا، تسكب في أرواح العابرين أنس الحياة، ثم أصبحت كالرميم. وحين سألت عما حل بالبلدة الحالم أهلها، قيل «إزالة للتعديات على أراض حكومية»، ولا اعتراض على معاقبة المعتدين على ما لا يملكون.
ولله الحمد لم أغامر في تلك البلدة، ولم أفكر في التملك فيها، ليس لأنني أذكى من الحالمين، لكن لبعدها عني وللسيولة (اليابسة) في حسابي. وتعود بي الذاكرة إلى بدايات البيع قبل ما يزيد عن عقد تقريبا والناس يتناقلون أخبارها في مجالسهم الخاصة، وقد عُرضت عليّ قطعة فيها بثمن بخس لكنني أحجمت. وهذه الذكرى هي التي أفرزت كما مذهلا من الأسئلة في جمجمتي، وخلقت العديد من المشاهد الإنسانية في رأسي. والحق أنني لم أفكر في الكتابة عن تلك البلدة، رغم سماعي بالإزالات، والمقاطع والقصص عن الكثير من ضحايا الحزم الحكومي المتأخر فيها وفي غيرها، لكن المشاهدة أجبرتني.
إذا تحدثنا بصراحة حول هذه القضايا تحديدا، وصدقنا مع أنفسنا دون مواربة ولا مجاملة ولا زيف، فإن تساهل الحكومة وصمتها عن الكثيرين الذين خططوا العشوائيات وباعوها على الناس هو السبب الرئيس في انتشار هذه الثقافة، وهو الذي أسال لعاب الجشعين فاستغلوا حاجة (البسطاء خاصة) ممن لا يستطيعون شراء أرض في المدن الرئيسية، وحين شاهدوا نجاح الأصدقاء والأقرباء في مخططات الأطراف الرخيصة، سعوا إلى تحقيق أحلامهم بمنزل العمر، ولم يروها مغامرة، لأنها مأمونة بنسبة 99.99%، في ظل الصمت الحكومي.
حين يخطط (تاجر التراب) أرضا، فأجزم أنه لا يخططها في كوكب آخر، ولا يخططها بإبرة لا ترى، بل بمعدات صاخبة ضخمة فاقع لونها، وينصب مكاتب بيضاء متنقلة، ويعلن في الصحف وفي المواقع أنه بدأ البيع في مخطط (الأحلام)، ويصدر الوثائق للناس مذيلة بشرط صغير (أضمن الأرض من كل أحد إلا الحكومة)، ثم يستلم المبالغ ويذهب في سبيله يبحث عن تخطيط أحلام أخرى. هذا كله والحكومة لا ترى ولا تسمع ولا تتحرك، فالحكومة التي لم يضمنها التاجر هي (الأب الرحيم) في نظر المواطن الذي اشترى أرضا. والأب الرحيم حين يغض نظره عن التاجر، فهو ينطلق من مبدأ الأبوة التي يجب أن تشمل المواطن البسيط. والأب الرحيم سبقت رحمته إلى أقربائي وأصدقائي البسطاء و(المريشين)، وستشملني معهم، فلو كان الأب الرحيم غير راض عن هذا الرزق الميسر لي، ما سكت عن التاجر حين خطط وباع.
ما إن يبدأ التاجر في بناء وحدات سكنية تشجيعية تبث الأمان في نفوس الحالمين، حتى يبدأ أحد المغامرين في بناء مسكنه، فيتشجع الآخرون ويبدؤون البناء، ثم فجأة ترى التيار الكهربائي يغمر البيوت ضياء، وتنتشر سيارات الأمن والبلدية والكهرباء، وحاويات النظافة، ثم ترتفع أسعار القطع التي كانت (بتراب الفلوس)، ثم تفتتح وزارة التعليم مدارسها، ويبني فاعل خير مسجدا، وتنتشر المحال التجارية، ويتناقل الناس الأخبار بفرح الفائزين، فيتحسر الخائفون الحذرون، ثم يتسابقون للحاق بالركب حتى يصبح الحي صاخبا بالحياة والبناء، والأب الرحيم ما يزال يبتسم جذلا بما ناله أبناؤه، وهذا ما أظنه حدث في البلدة المنكوبة، عدا انقلاب بسمة الأب الرحيم إلى تكشيرة أودت بكل الأحلام والنجاحات.
لا أناقش ما حل بتلك البلدة، بل أناقش بصفة عامة ثقافة الصمت عن الأسباب، ومحاسبة نتائجها لاحقا، فالأسباب كانت أمام الجميع، (تجار التراب) يخططون ويبيعون بأسمائهم وبأسماء شخصيات اعتبارية تُجرّئ الناس على الشراء، أما النتائج، فالناس يشترون ويبنون ويسكنون، فكيف تجوز الحكومة السبب إلى نتيجته المعروفة، وكيف يسلم التجار وأصحاب الأسماء الاعتبارية من الحساب، ويدفعه من استدان وصب كد حياته ودم قلبه في تحقيق حلمه الذي عجزت عنه الحكومة زمنا؟
لو تحركت الحكومة إبان التخطيط الأول لحمت أراضيها، وحمت جيوب المواطنين من النزف الذي وصل أرواحهم وصحتهم، ولو تحركت تجاه المتجرئين على أملاكها وأملاك الغير ومستغلي أحلام الناس وحاجتهم لكان أنجع من هدم وإتلاف كل شيء، ولو وضعت كل وزارة لافتة بارزة على كل أرض تملكها لما تجرأ أحد على التعدي، وما استطاع إقناع الناس بالشراء، لكن أن تترك الأراضي نهبا لكل من شاء، ثم يحاسب البسطاء الحالمون فهذا لا أراه صوابا، حتى لو تحججت الجهات المنفذة بالأوامر القضائية أو غيرها، فالحساب يجب أن يطال المتسبب الأول، ثم يلزم بتعويض المغرَر بهم ماليا أو عينيا، وبعدها تنفذ الإزالات أو يتملكها المالك الشرعي.
ولله الحمد لم أغامر في تلك البلدة، ولم أفكر في التملك فيها، ليس لأنني أذكى من الحالمين، لكن لبعدها عني وللسيولة (اليابسة) في حسابي. وتعود بي الذاكرة إلى بدايات البيع قبل ما يزيد عن عقد تقريبا والناس يتناقلون أخبارها في مجالسهم الخاصة، وقد عُرضت عليّ قطعة فيها بثمن بخس لكنني أحجمت. وهذه الذكرى هي التي أفرزت كما مذهلا من الأسئلة في جمجمتي، وخلقت العديد من المشاهد الإنسانية في رأسي. والحق أنني لم أفكر في الكتابة عن تلك البلدة، رغم سماعي بالإزالات، والمقاطع والقصص عن الكثير من ضحايا الحزم الحكومي المتأخر فيها وفي غيرها، لكن المشاهدة أجبرتني.
إذا تحدثنا بصراحة حول هذه القضايا تحديدا، وصدقنا مع أنفسنا دون مواربة ولا مجاملة ولا زيف، فإن تساهل الحكومة وصمتها عن الكثيرين الذين خططوا العشوائيات وباعوها على الناس هو السبب الرئيس في انتشار هذه الثقافة، وهو الذي أسال لعاب الجشعين فاستغلوا حاجة (البسطاء خاصة) ممن لا يستطيعون شراء أرض في المدن الرئيسية، وحين شاهدوا نجاح الأصدقاء والأقرباء في مخططات الأطراف الرخيصة، سعوا إلى تحقيق أحلامهم بمنزل العمر، ولم يروها مغامرة، لأنها مأمونة بنسبة 99.99%، في ظل الصمت الحكومي.
حين يخطط (تاجر التراب) أرضا، فأجزم أنه لا يخططها في كوكب آخر، ولا يخططها بإبرة لا ترى، بل بمعدات صاخبة ضخمة فاقع لونها، وينصب مكاتب بيضاء متنقلة، ويعلن في الصحف وفي المواقع أنه بدأ البيع في مخطط (الأحلام)، ويصدر الوثائق للناس مذيلة بشرط صغير (أضمن الأرض من كل أحد إلا الحكومة)، ثم يستلم المبالغ ويذهب في سبيله يبحث عن تخطيط أحلام أخرى. هذا كله والحكومة لا ترى ولا تسمع ولا تتحرك، فالحكومة التي لم يضمنها التاجر هي (الأب الرحيم) في نظر المواطن الذي اشترى أرضا. والأب الرحيم حين يغض نظره عن التاجر، فهو ينطلق من مبدأ الأبوة التي يجب أن تشمل المواطن البسيط. والأب الرحيم سبقت رحمته إلى أقربائي وأصدقائي البسطاء و(المريشين)، وستشملني معهم، فلو كان الأب الرحيم غير راض عن هذا الرزق الميسر لي، ما سكت عن التاجر حين خطط وباع.
ما إن يبدأ التاجر في بناء وحدات سكنية تشجيعية تبث الأمان في نفوس الحالمين، حتى يبدأ أحد المغامرين في بناء مسكنه، فيتشجع الآخرون ويبدؤون البناء، ثم فجأة ترى التيار الكهربائي يغمر البيوت ضياء، وتنتشر سيارات الأمن والبلدية والكهرباء، وحاويات النظافة، ثم ترتفع أسعار القطع التي كانت (بتراب الفلوس)، ثم تفتتح وزارة التعليم مدارسها، ويبني فاعل خير مسجدا، وتنتشر المحال التجارية، ويتناقل الناس الأخبار بفرح الفائزين، فيتحسر الخائفون الحذرون، ثم يتسابقون للحاق بالركب حتى يصبح الحي صاخبا بالحياة والبناء، والأب الرحيم ما يزال يبتسم جذلا بما ناله أبناؤه، وهذا ما أظنه حدث في البلدة المنكوبة، عدا انقلاب بسمة الأب الرحيم إلى تكشيرة أودت بكل الأحلام والنجاحات.
لا أناقش ما حل بتلك البلدة، بل أناقش بصفة عامة ثقافة الصمت عن الأسباب، ومحاسبة نتائجها لاحقا، فالأسباب كانت أمام الجميع، (تجار التراب) يخططون ويبيعون بأسمائهم وبأسماء شخصيات اعتبارية تُجرّئ الناس على الشراء، أما النتائج، فالناس يشترون ويبنون ويسكنون، فكيف تجوز الحكومة السبب إلى نتيجته المعروفة، وكيف يسلم التجار وأصحاب الأسماء الاعتبارية من الحساب، ويدفعه من استدان وصب كد حياته ودم قلبه في تحقيق حلمه الذي عجزت عنه الحكومة زمنا؟
لو تحركت الحكومة إبان التخطيط الأول لحمت أراضيها، وحمت جيوب المواطنين من النزف الذي وصل أرواحهم وصحتهم، ولو تحركت تجاه المتجرئين على أملاكها وأملاك الغير ومستغلي أحلام الناس وحاجتهم لكان أنجع من هدم وإتلاف كل شيء، ولو وضعت كل وزارة لافتة بارزة على كل أرض تملكها لما تجرأ أحد على التعدي، وما استطاع إقناع الناس بالشراء، لكن أن تترك الأراضي نهبا لكل من شاء، ثم يحاسب البسطاء الحالمون فهذا لا أراه صوابا، حتى لو تحججت الجهات المنفذة بالأوامر القضائية أو غيرها، فالحساب يجب أن يطال المتسبب الأول، ثم يلزم بتعويض المغرَر بهم ماليا أو عينيا، وبعدها تنفذ الإزالات أو يتملكها المالك الشرعي.