محمد أحمد بابا

الملكية الفكرية في الدين بين الحق والمستحق

الخميس - 26 مايو 2016

Thu - 26 May 2016

الحق بأن الله وهب العقل للإنسان ليثمر بنات فكر تحيي البشرية وتصلح أحوالهم وتعينه هو ومن معه على حقيقة العيش الكريم في الدنيا، وأن ما يخرج من فكر إنسان لم يسبقه له غيره مما لا يخالف شرعا ويضيف جديدا هو له ملك بالعزوِ والرواية والاستفادة، وما العلم الذي في صدور الرجال إن كان من ابتداء صَنعتِهم وفراستهم وتصنيفهم إلا من هذا القبيل، ومن الحق أن تكون الابتكارات والاختراعات التي خضعت لقوانين وأنظمة من هم في هذا الفن مختصون في الملكية الفكرية رأسا وأصلا، فالإسلام دين يحفظ لمن قال قوله وإن ضل، ومن القرآن إشارات لذلك حين يقول تعالى: (وقال فرعون)، (قال الملأ)، (قالت امرأة العزيز)، (قال الذي عنده علم من الكتاب)، (وقالت اليهود)، (وقال الشيطان)، (قال لهم نبيهم) وكثير مما يعزوه الله لمن قاله في أمانة يرشدنا إليها، لنفهم بعد ذلك قوله: (ويصنع الفلك) فنوح عليه السلام هو الصانع بهدي الله له، ونفهم قوله: (وقدر في السرْد) فداود عليه السلام هو المقدر بما علمه الله، وقوله: (فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما) فذو القرنين هو الباني بتمكين الله له، فحق أن الملكية الفكرية لكل ما جاء به الإنسان على خصوص اسمه وعينه دون وجود سابق سواء كان فكرة أو مخترعا أو آلية تنظيم، أو قرضَ شعر أو تصنيف مؤلَف، أو كتابة مقال أو تدوين تاريخ، ونحو ذلك هي حق لمن جاء به، والحق بأن الاعتداء على ذلك وإن تم بعزو الأمر لغير صاحبه، أو إهمال العزو أصلا ليس من الدين في شيء وليس من قواعد الخلق العلمي الإسلامي في شيء، وبه تضيع الحقوق، ويقول الناس عن الجاهل صاحب قلم، وعن العالم سارقَ أفكار، وعن المخترع فقير نفس، وعن صاحب السلطة المالية والنفوذ ذكي الابتكارات، وهذا كذب وافتراء يدعو لتقاعس المبدعين واستفحال المفترين.

والمستحق تنظيم في أمة الإسلام يراعي الأسس المستجدة والقوانين الحادثة والمنهجية الفنية في هذا المجال، وقانون يحمي من قال بقوله أو يأخذه به، ويحفظ لمن كتب كتابه ولو بعد موته، ويمنع من يستفيد من نشر ما لم يؤذن له فيه أن يفعل لعقوبة ستلحق به، ويستحق العلم ونتائجه أن يكون مصانا من الافتراء والكذب، وأن يُحمى من السارقين ولابسي ثوبي زور، وأن تكون الدولة المسلمة مُكرمة للمبدعين لأنها تحفظ حقوقهم وتعرفهم، مقصية لآخذي نتاج العقل البشري بثمن بخس دراهم معدودة، ولعل العالم الافتراضي الحديث عبر مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة المعلوماتية غدا في مثل هذا المجال سلاحا ذا حدين في الاستحقاق وتضييعه على حد سواء إلا من رحم ربي، لكن الحق الذي عليه الدين بأن حقوقا معنوية للناس لا تضيع ولو جهلها آخرون أو جهلوها هم، ويستحق من اشتكى أو تظلم من اعتداء بهذا الخصوص أن يسمع له، ويستحق من مارس سرقة في هذا المجال أن يعزر ويعوض المتضرر، ويستحق من استفاد ماليا أو معنويا من نشر مادة علمية محفوظة لصاحبها دون إذنه أن يوصف بالمعتدي وتلحقه تبعة اعتدائه، والله تعالى الحافظ لما وهب قال: (أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون) وفي التفسير ما يقود لما نفهمه، وحين يكون العاطي هو الله فمن أعطيَ منه شيئا فهو له بالإضافة تكريما وربنا يقول (صُحفِ إبراهيم وموسى)، فاستحقاق الإضافة أقل درجات الحق في الملكية الفكرية، ومن استحق ملكا من هذا النوع فليحمد الله وليكن ممن ينشر العلم بنية حسنة، ولعل المستحق أيضا دراسة مكافحة سرقة بعض التجار لأفكار المعوزين تدليسا وتضليلا.

[email protected]