منى عبدالفتاح

تجربة فينوس واقتصاد الموارد

الخميس - 26 مايو 2016

Thu - 26 May 2016

ما لا يتم فهمه بشكل كامل إلى الآن وسط عالم استهلاكي، هو تعثر كثير من المشاريع التي تنادي بإقامة اقتصاد قائم على الموارد. هدف هذه المشاريع هو تحسين ونهضة المجتمع من خلال التحرك صوب تصميم عالمي لاندماج المجتمع والتكنولوجيا. ويعد مشروع فينوس الذي قام به العالم الأمريكي ذو الأصل الشرقي جاك فريسكو الذي احتفل بعيد ميلاده الـ99 مؤخرا، مشروعا رائدا حتى في العالم الأول لأنه يعيد للموارد الاقتصادية طبيعتها التي استلبت منها نتيجة لحمى التصنيع.

وفريسكو بالإضافة إلى أنه مهندس معماري واقتصادي ضليع فهو عالم اقتصادي وفيلسوف، وله أفكار انتشرت حول العالم في مجالات التنمية البشرية وتطوير الذات. ويلمس الغرب في هذا العالم -المولود لأب تركي وأم من القدس، قبل أن يهاجرا إلى الولايات المتحدة- روحا مشرقية امتزجت بالعلم المنطقي الغربي. وفي تعريف مشروع فينوس فهو تتويج لعمل وحياة فريسكو، وهو بمثابة الأساس الذي يمثل رؤيته للمستقبل من دون الفقر والجريمة والحرب والفساد والنفايات.

هذا المشروع الكبير الذي قام بأفكار بسيطة، يستحق تطبيقه في دول العالم الثالث التي تأصلت فيها ثقافة الاستهلاك، والإنتاج الشكلي الذي فرضته العولمة، مما باعد بينها وبين عمليات التحديث الحقيقية. ولكن هناك دول أيضا لم تصل حتى درجة التحديث المظهري، ولعل هناك نماذج عربية وأفريقية لم تفلح في إدارة مواردها الغنية وتحولت نعمة وثراء الأرض فيها إلى نقمة، ومنها المثال البارز السودان. وإن كان النفط واستخراجه حديثا نسبيا فالموارد الأخرى المتمثلة في الأرض الخصبة الصالحة للزراعة طوال أيام السنة سواء كانت بالري الموسمي المتمثل في الأمطار الغزيرة أو الري الجوفي والصناعي، فكلها لم تفلح في سد حاجة السودان وفاقته وملامح الغلاء والجوع والفقر.

في عام 2012 صدر إعلان حكومي عن استيراد السودان للقمح، وفي العام نفسه وصل الأمر إلى أن استورد السودان قمحا بـ 800 مليون دولار. وهذه الحقائق لها ما قبلها من قصص مؤكدة عن استيراد أخصب أرض في الوطن العربي للقمح، فقد قفزت واردات السودان من المحصول من 21.8 مليون دولار عام 1990 إلى 800 مليون دولار عام 2012. وقد أدى تدفق القمح والدقيق المستورد إلى ارتفاع الاستهلاك من 1.5 مليون طن إلى 3 ملايين طن في العام.

وبعد أن أصبح القمح عنصر غذاء أساسيا في السودان لم تكف أرض السودان الخصبة عن إنتاجه، ولكن شح بسبب سوء إدارة الموارد والإبعاد القسري للمزارعين عن مزارعهم في مشروع الجزيرة «أكبر وأعرق المشاريع الزراعية في السودان عبر التاريخ الحديث» بالإضافة إلى مشاريع في شمال السودان.

ولأن الزراعة أحد أهم عناصر الاقتصاد، فإنه من المؤمل أن تخضع أرض النيلين لنظام شراكة استثمارية، تنجح في إدخال المعدات الزراعية بعد أن انفرجت أزمة العقوبات الأمريكية نسبيا. وقد ينجح هذا النوع من الشراكة في إنقاذ قطاع الزراعة من بوابة الاستثمار، وتحقق المصلحة للطرفين.

أما فريسكو السودان الذي قاد مشروعا شبيها بمشروع فينوس فهو الراحل بروفيسور محمد هاشم عوض الذي أطلق شعار «السودان سلة غذاء العالم العربي» بناء على بيان صادر من منظمة الأغذية العالمية عام 1976، وذلك عندما كان وزيرا للاقتصاد في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري. تنبأت المنظمة العالمية بأن السودان سيكون على رأس ثلاث دول هي المصدر الرئيس للغذاء لبقية دول العالم، وهي بالترتيب: السودان وكندا وأستراليا. وفي عهد أبي الاقتصاد السوداني محمد هاشم عوض، الذي عاش زاهدا ومات عفيفا، عندما كان وزيرا للاقتصاد ارتفع دخل الفرد الشهري في السودان إلى نحو 850 دولارا أمريكيا، ودخل السودان ضمن أعلى الدول من حيث مستوى دخل الفرد، بينما لم يكن يملك -وهو الوزير- من حطام الدنيا غير سيرته الحسنة ومنزلا حكوميا متهالكا.



[email protected]