النهضة التونسية والإسلاميون الديمقراطيون
الخميس - 26 مايو 2016
Thu - 26 May 2016
في خطوة جريئة قرر حزب النهضة التونسي التحول إلى حزب مدني، مهمته النشاط السياسي وحسب، وليس له أي نشاط ديني دعوي، وعلى حد تعبير زعيمه الغنوشي «نحن نؤكد أن النهضة حزب سياسي، ديمقراطي ومدني له مرجعية قيم حضارية مسلمة وحداثية، نحن نتجه نحو حزب يختص فقط في الأنشطة السياسية، نخرج من الإسلام السياسي لندخل في الديمقراطية المسلمة، نحن مسلمون ديمقراطيون، ولا نعرِّف أنفسنا بأننا جزء من الإسلام السياسي».
هذه المفردات التي لا توجد في القاموس الحركي الإسلامي: (مدني، مسلمون ديمقراطيون، قيم حضارية حداثية) تشي بخطوة نوعية في مسيرة الحركية الإسلامية، وقد ساعد على إنضاج رؤية النهضة هذه الواقع التونسي بما يتميز به من رسوخ عملية التحديث، ولا ريب أنه سيكون لها أثر عميق في الممارسة الحركية لبقية أحزاب الإسلام السياسي، فحزب النهضة وضع يده على مكمن الداء الذي تعاني منه الأحزاب الإسلامية، فهي في بنيتها وتراتبيتها وقاموسها تنتمي لدولة (السلطان، والخليفة)، وليس لفلسفة الدولة الحديثة.
فالفكر السياسي للحركية الإسلامية ما زال رهين لحظة سقوط الخلافة الإسلامية في بداية القرن العشرين؛ إذ قامت على أنقاضها دول قطرية تحت مظلة الاستعمار، مع استبعاد مكوِّن الدين في تنظيم الدولة، وهنا شعرت النخب المتدينة بفراغ هائل، فلأول مرة في التاريخ الإسلامي يخلو الفضاء الإسلامي من أمرين؛ الأمر الأول: وجود سلطة سياسية جامعة ينضوي تحتها المسلمون، والأمر الثاني: غياب المشروعية الدينية للحكومات الناشئة من وجهة نظر الإسلاميين الحركيين، ومحصل هذين الأمرين غيابُ حاكمية الخلافة الجامعة، وغيابُ حاكمية الدين، ومن هنا برزت محاولات إعادة هاتين الحاكميتين.
ومن تلك المحاولات قيام حسن البنا بتأسيس جماعة (الإخوان المسلمون)؛ وهي الجماعة الأم لمجمل الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، ومن أبرز أهداف جماعة (الإخوان المسلمون) إعادة الخلافة الإسلامية؛ وإعادة سلطة الدين على المجتمع الذي تفلَّت من حاكمية الإسلام وهوى في هوة الجاهلية المظلمة.
ولا يمكن أن تُفهم حركة الإخوان وجميع الحركات الإسلامية التي خرجت من عباءتها بمعزل عن هذه الرؤية، وهذين الهدفين، فقد ظلت الحركية الإسلامية بجميع فروعها وأحزابها ومنظماتها محكومة بتلك الرؤية وبهذين الهدفين منذ نشأتها إلى اليوم؛ هدفِ إعادة الخلافة، وهدفِ إعادة حاكمية الدين بفهم شمولي سلطوي، يهدف إلى إعادة أسلمة المجتمع وفق رؤيتها الدينية، أي أن مشروعها يطرح نفسه بصفته بديلا حضاريّا جذريّا يسعى لكنس الواقع السياسي بكل ما فيه من حكومات جاهلية، وتيارات، ورموز، ومؤسسات لا تتفق مع رؤيته الدينية.
وهذه الرؤية لواقع المجتمعات، وهذان الهدفان اللذان نشأت من أجلهما الحركات هما في صلب البنية الفكرية للحركات الإسلامية، وكل محاولة للإصلاح أو التطوير في الفكر الحركي الإسلامي دون إعادة النظر في ذلك كله تظل محاولة في القشور دون البنية العميقة، ومن هنا تأتي أهمية الخطوة النوعية الجريئة التي قامت بها حركة النهضة التونسية، إذ إن هذه الخطوة سيكون لها أثر في تغيير الرؤية والأهداف التي نشأت عليها الحركية الإسلامية.
ويتلخص الأثر في قضيتين، القضية الأولى: فصل الالتحام بين الديني والسياسي في فكر الأحزاب الإسلامية، وهذا الالتحام هو ما يجعل تلك الأحزاب تطرح نفسها ممثلة للدين، تكتسب منه المشروعية والنقاء في المخيال الشعبي المتدين، وتتعامل مع مجتمعاتها على أنها واقعة في غواية الجاهلية، وتحتاج لإعادة الأسلمة، ثم إن هذا الفصل سينقل ممارسات المنتمين لها من الحقل الديني إلى الحقل السياسي الخالص المحكوم بكل مواضعات العمل السياسي.
والقضية الثانية: إعادة النظر في خرافة المشروع الشمولي لتغيير المجتمع في كل شؤونه الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية، وهو ما تبشر به الأحزاب الإسلامية؛ أي أنها تبشر بمشروع دولة سلطوية شمولية معنية بكل تفصيلات حياة شعوبها، غير مدركة أن عالم اليوم يرفض مفهوم (الدولة الشمولية)، وكل فكرة شمولية تريد أن تستبدل الدولة الشمولية بدولة تحمل فكرًا شموليًّا آخر مهما كان نوعه محكوم عليها بالفشل.
ومحصل ذلك كله أن تتحول الحركة الإسلامية إلى حزب سياسي مدني خاضع لمواضعات السياسة ذي أهداف سياسية لها تعلق بمتطلبات الشعوب المعيشية من صحة وتعليم وسكن وعمل بعيدا عن يوتوبيا البديل الحضاري، وخرافة إعادة الخلافة.
[email protected]
هذه المفردات التي لا توجد في القاموس الحركي الإسلامي: (مدني، مسلمون ديمقراطيون، قيم حضارية حداثية) تشي بخطوة نوعية في مسيرة الحركية الإسلامية، وقد ساعد على إنضاج رؤية النهضة هذه الواقع التونسي بما يتميز به من رسوخ عملية التحديث، ولا ريب أنه سيكون لها أثر عميق في الممارسة الحركية لبقية أحزاب الإسلام السياسي، فحزب النهضة وضع يده على مكمن الداء الذي تعاني منه الأحزاب الإسلامية، فهي في بنيتها وتراتبيتها وقاموسها تنتمي لدولة (السلطان، والخليفة)، وليس لفلسفة الدولة الحديثة.
فالفكر السياسي للحركية الإسلامية ما زال رهين لحظة سقوط الخلافة الإسلامية في بداية القرن العشرين؛ إذ قامت على أنقاضها دول قطرية تحت مظلة الاستعمار، مع استبعاد مكوِّن الدين في تنظيم الدولة، وهنا شعرت النخب المتدينة بفراغ هائل، فلأول مرة في التاريخ الإسلامي يخلو الفضاء الإسلامي من أمرين؛ الأمر الأول: وجود سلطة سياسية جامعة ينضوي تحتها المسلمون، والأمر الثاني: غياب المشروعية الدينية للحكومات الناشئة من وجهة نظر الإسلاميين الحركيين، ومحصل هذين الأمرين غيابُ حاكمية الخلافة الجامعة، وغيابُ حاكمية الدين، ومن هنا برزت محاولات إعادة هاتين الحاكميتين.
ومن تلك المحاولات قيام حسن البنا بتأسيس جماعة (الإخوان المسلمون)؛ وهي الجماعة الأم لمجمل الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، ومن أبرز أهداف جماعة (الإخوان المسلمون) إعادة الخلافة الإسلامية؛ وإعادة سلطة الدين على المجتمع الذي تفلَّت من حاكمية الإسلام وهوى في هوة الجاهلية المظلمة.
ولا يمكن أن تُفهم حركة الإخوان وجميع الحركات الإسلامية التي خرجت من عباءتها بمعزل عن هذه الرؤية، وهذين الهدفين، فقد ظلت الحركية الإسلامية بجميع فروعها وأحزابها ومنظماتها محكومة بتلك الرؤية وبهذين الهدفين منذ نشأتها إلى اليوم؛ هدفِ إعادة الخلافة، وهدفِ إعادة حاكمية الدين بفهم شمولي سلطوي، يهدف إلى إعادة أسلمة المجتمع وفق رؤيتها الدينية، أي أن مشروعها يطرح نفسه بصفته بديلا حضاريّا جذريّا يسعى لكنس الواقع السياسي بكل ما فيه من حكومات جاهلية، وتيارات، ورموز، ومؤسسات لا تتفق مع رؤيته الدينية.
وهذه الرؤية لواقع المجتمعات، وهذان الهدفان اللذان نشأت من أجلهما الحركات هما في صلب البنية الفكرية للحركات الإسلامية، وكل محاولة للإصلاح أو التطوير في الفكر الحركي الإسلامي دون إعادة النظر في ذلك كله تظل محاولة في القشور دون البنية العميقة، ومن هنا تأتي أهمية الخطوة النوعية الجريئة التي قامت بها حركة النهضة التونسية، إذ إن هذه الخطوة سيكون لها أثر في تغيير الرؤية والأهداف التي نشأت عليها الحركية الإسلامية.
ويتلخص الأثر في قضيتين، القضية الأولى: فصل الالتحام بين الديني والسياسي في فكر الأحزاب الإسلامية، وهذا الالتحام هو ما يجعل تلك الأحزاب تطرح نفسها ممثلة للدين، تكتسب منه المشروعية والنقاء في المخيال الشعبي المتدين، وتتعامل مع مجتمعاتها على أنها واقعة في غواية الجاهلية، وتحتاج لإعادة الأسلمة، ثم إن هذا الفصل سينقل ممارسات المنتمين لها من الحقل الديني إلى الحقل السياسي الخالص المحكوم بكل مواضعات العمل السياسي.
والقضية الثانية: إعادة النظر في خرافة المشروع الشمولي لتغيير المجتمع في كل شؤونه الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية، وهو ما تبشر به الأحزاب الإسلامية؛ أي أنها تبشر بمشروع دولة سلطوية شمولية معنية بكل تفصيلات حياة شعوبها، غير مدركة أن عالم اليوم يرفض مفهوم (الدولة الشمولية)، وكل فكرة شمولية تريد أن تستبدل الدولة الشمولية بدولة تحمل فكرًا شموليًّا آخر مهما كان نوعه محكوم عليها بالفشل.
ومحصل ذلك كله أن تتحول الحركة الإسلامية إلى حزب سياسي مدني خاضع لمواضعات السياسة ذي أهداف سياسية لها تعلق بمتطلبات الشعوب المعيشية من صحة وتعليم وسكن وعمل بعيدا عن يوتوبيا البديل الحضاري، وخرافة إعادة الخلافة.
[email protected]