مرزوق تنباك

الردادي ودراسة حضارية واجتماعية تتوسل بالأنساب

الأربعاء - 25 مايو 2016

Wed - 25 May 2016

تصدر في الوقت الراهن كتب كثيرة عن القبائل والعوائل والأنساب، ويتسابق المؤلفون في أكثر البلاد العربية في مجال التأليف والتصنيف، ولا سيما في دول الخليج حيث نشط كثير من الناس وشجعوا الكتاب والمؤلفين على التأليف والنشر، حتى أصبحت شجرة العائلة إحدى الموضات الرائجة في بعض البيوت، ولا يكاد يتوقف العمل في هذا الموضوع في جميع مناطق المملكة.

واهتمام الناس بالأنساب قديم، بل لعل الكلام فيها يعد جزءا مهما في تاريخنا الإسلامي وثقافتنا العربية، حيث وضع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الديوان على أساس الأنساب، وعودة الناس إلى التأليف والاهتمام به أمران مهمان للغاية، مع العلم أن الدراسات الأنثروبولوجية بدأت مع بداية الإنسان على وجه الأرض، واعتمدت الملاحظة والاستقراء للحراك البشري، وفسرت كثيرا من أسبابه وأغراضه ودوافعه، وقد أصبحت الدراسات الاجتماعية في هذا العصر من أكثر العلوم انتشارا في العالم كله، وبني على نتائج تلك الدراسات نظريات ومعارف وعلوم تتجاوز الجانب الاجتماعي الصرف إلى الأغراض الأخرى السياسية والاقتصادية والمعرفية وغيرها من النشاطات البشرية، وقلما تخلو جامعة في العالم المعاصر من قسم للدراسات في علوم الاجتماعي والعمران البشري القديم والحديث.

لكن ما يلاحظ على أكثر المؤلفات التي صدرت في المملكة خاصة هو أنها تناولت الأنساب والقبائل والأمكنة، وخلت - أو أكثرها - من دراسات الجانب الاجتماعي وهو الجانب المهم، وخلوها من التحليل للسلوك الاجتماعي قلل من قيمة تلك الدراسات، وغلب عليها الجانب العاطفي والخصوصية العائلية أو القبلية أو الإقليمية، وجاء أكثرها تجريديا بحتا. إلا أنني اطلعت حديثا على دراسة جاءت بشيء مختلف لباحث أكاديمي له علو باع في الثقافة، ومشارك في قضايا المجتمع من خلال مسؤولياته وما تولى من مواقع مرتبطة بالمجتمع، وفي ثقافته وعلومه ولا سيما الجانب الاجتماعي هو الدكتور عائض الردادي، عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة اليوم، ووكيل وزارة الثقافة والإعلام سابقا، وغيرها من المواقع والمسؤوليات التي لها علاقة خاصة بالثقافة العامة للناس، وهو كاتب معروف ومؤلف لعدد من المؤلفات الأدبية واللغوية، ولكن كتابه الذي بين يدي حمل موضوعا مختلفا وإن توشح بالقبيلة والأنساب، تحت عنوان طويل أختصره بمضمون الكتاب وليس عنوانه (تاريخ اجتماعي من خلال قبيلة).

تناولت الدراسة قبيلة من قبائل حرب، وتميزت عن غيرها بأن توسلت بالحديث عن القبيلة وديارها وأنسابها إلى الدراسة العلمية الرصينة عن الحياة الاجتماعية والتاريخية والثقافية وأنواعها، ومختلف موضوعاتها، وهو ما فات على أكثر الدراسات التي أشرنا إليها من قبل. اختار الدكتور عايض قبيلته الردادة وأماكنها وديارها وأنسابها كما فعل غيره، لكن ما جاء عنده هو التوظيف الذكي لما جمع من معلومات مهمة ليست في الأنساب كما كان يفعل غيره، وإنما سلك طريقا آخر مستبطنا أحوال الزمن القديم، وصنوف النشاط السائد آنذاك، باحثا في تفاصيل الحياة العامة التي تعيش فيها الجزيرة العربية قبل عصر الدولة، فاستعمل منطوق الوثائق ونصوها ومضامينها لتقدم للقارئ لوحة متكاملة تقرأ فيها صورة للنشاط البشري في كل جوانبه، فتحدث عن الزراعة وأدواتها، والرعي والرعاة، والصناعات اليدوية والمهن الحرفية والآلات التي يستعملها الناس، وتكلم عن النبات وأنواعه وأسمائه، والشجر وما ينبت ويعيش في تلك الديار، وأضفى مساحة تاريخية للمنطقة وللسكان الذين سكنوها أو مروا عليها، كما تناول اللغة التي كانت سائدة بمفرداتها ودلالاتها المحلية، وتتبع مفرداتها وتصريفها اللغوي العامي في أكثره وبها كانت تحرر الوثائق التي يحتكم إليها أهل تلك المنطقة، ولم يغفل التنظيمات الاجتماعية الداخلية والقوانين القبلية المتفق عليها التي يلجؤون إليها عند الضرورة ويسلمون طواعية بأحكامها، مثل هذه الدراسة هي ما يحتاجه الشباب الذين يريدون معرفة شيء مما كان يعيش فيه أسلافهم.



[email protected]