محمد حطحوط

طرش بحر في كوريا!

الاثنين - 23 مايو 2016

Mon - 23 May 2016

من النظرة الأولى يغلب ظنك أنه يحوم حول الثلاثين، وذلك لكثافة الشعر في وجهه، ولكن (عبدالعزيز) لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمر. (أبوسعد) وهي كنيته المفضلة، شاب سعودي ككل الشباب، لديه طموح أن يتطور الوطن وأن يحقق رؤيته الجديدة، لكنه محبط.. محبط من الوعود التي تطلق، محبط من المجتمع (المتخلف) على حد تعبيره، والذي ما زال فكره في العصر الحجري، ويرى استحالة أن يتقدم البلد وما زالت عقلية (خضيري) و(قبيلي) وذهنية (طرش بحر) متداولة بين أفراد هذا المجتمع!

عبدالعزيز، يظل شابا محبا لوطنه، ويتمنى من خالص قلبه أن يكون لهذا البلد شأن كبير في المستقبل، وحضور على الساحة المحلية والعالمية، اقتصاديا وثقافيا وسياسيا. لا بد أن نستمع بأذن مرهفة لصوت (أبو سعد) وصوت طابور طويل من الشباب مثله، ونتغافل عن ارتفاع النبرة حينا، ونتجاوز عن الحدة في الطرح حينا آخر. لا بد للكبار أن يستمعوا لصوت الشباب الصادق وتطلعاته وماذا يريد.

في المقابل يجب على عبدالعزيز ورفاقه أن يستمعوا للطرف الآخر من المعادلة، يجب أن يتركوا جانبا خطاب المرجفين، ويكونوا في خندق البناء بدل خندق التخذيل! سهل جدا أن تنتقد، وأسهل منه أن تسخر من الجهود، التحدي كل التحدي أن تشمر ساعدك ثم تخوض في الطين، وتكون جنديا في جيش المصلحين، وتضع لبنة هنا وأخرى هناك.

صديقي (أبوسعد)، اقترب قليلا، سأهمس في أذنك: كل مجتمعات العالم فيها نقاط قوة ونقاط ضعف. كل مجتمعات العالم فيها قضايا تفخر بها وقضايا لا تود أن يعلم بها أحد! عقلية (الخضيري) و(القبيلي) ستجدها في كل مجتمع، قد تختلف ألوانها ورتوشها باختلاف خطوط الطول ودوائر العرض، لكن هذه قضية مرتبطة بالجنس البشري منذ الأزل، نحن هنا لا نبررها أو نفسرها، القصد فقط أن لا يضيع وقتك في قضية ترسخت، وانتقل لمحاور أكثر أهمية على الأقل في الوقت الراهن، ليكون مجتمعك بالمستقبل مجتمعا تسود فيه لغة القانون، ويصبح الكل تحت مسطرة العدل، وصدقني لن تضعف متلازمة (حضر) و(بدو) و(طرش بحر) في فترة ليس بالطويلة.

المجتمعات الأخرى المتقدمة التي يستشهد بها (أبوسعد) هي الأخرى عانت من هذه العقلية لكنها تجاوزتها عندما ركزت على نقاط القوة. المجتمع الكوري مثالا، دولة متقدمة صناعية وهي إحدى ركائز النمور الآسيوية التي أبهرت الغرب في التسارع الاقتصادي لها، ومع ذلك لو تعمقت في أزقة المجتمع الكوري ستجد تعقيدات وتناقضات غريبة! تخيل يا صديقي هذا المجتمع المتقدم الذي يتصدر قطاع الالكترونيات ما زال إلى هذا اليوم يعتبر (الخضيري) من تزوج من اليابانيين (الغزاة) والذي جاء مع الصينيين هم (طرش بحر)، بينما (القبيلي) لدى الثقافة الكورية من قاوم الغزاة وثقافتهم! مع أن الكل الآن انغمس في البيئة الجديدة، والكل يعتبر نفسه (كوريا) أولا، ومضى على هذه الأحداث عقود طويلة، لكن ما زالت حاضرة، لكن وهنا مربط الفرس، لم تعقهم من التقدم، والضرب على عوامل القوة بدل التركيز على نقاط الضعف!

مدير الشرطة في سان فرانسيسكو قبل أيام استقال بعد أن قتل أحد أفراد شرطته امرأة، ذنبها الوحيد أنها (سوداء) تخيل.. المجتمع الأمريكي الذي يصدر الحريات النسوية في العالم ما زال يعاني من عقليات متخلفة تحاول أن تجره للماضي، وما زالت قضية (الهنود الحمر) و(الأسود) و(الأبيض) لها حضورها الكبير إلى هذا اليوم في الثقافة والمجتمع الأمريكي، وما مقاطعة حضور جوائز سينمائية من بعض الممثلين (السود) عنا ببعيد، نظرا للتحيز المستمر للرجل (الأبيض) في حصد هذه الجوائز!

تأمل في تفاصيل كل مجتمع.. ستجد فيه سيلا من التناقضات والتفاهة. لا تنجر يا صديقي لطبل المحطمين، فهذا سهل جدا، التحدي أن نضع يدا بيد، ونصنع مستقبلا للأجيال القادمة برغم كل التحديات!

[email protected]