محمد العوفي

الإسعافات الأولية.. المسكوت عنه!

الاثنين - 23 مايو 2016

Mon - 23 May 2016

لو أردت أن تعدد المسكوت عنه إداريا وبيئيا واجتماعيا واقتصاديا، ستطول القائمة فوق ما تتصور، والسبب أننا عندما نتوجه نحو رؤية معينة نهمل ونسكت عن باقي الجوانب المتعلقة بها، فالتفكير لدينا لا يتصف بالشمولية، ولذلك تأتي معظم القرارات مبتورة أو مشوهة، أو تنفصل عن الواقع الاجتماعي والمعيشي، وفي بعض الحالات قد يكون ذلك التفكير الجزئي موجها ومتعمدا، وإذا افترضنا حسن النية يمكن أن نعتبره نسيانا.

هذه المقدمة رغم عموميتها إلا أنها تقود إلى التجاهل الممنهج لكثير من الجوانب التي ترتبط بشكل أساسي بحياة الإنسان وصحته والتي تتوقف في بعض الحالات على القرار اللحظي، وأي تأخر في ذلك قد يكلف الإنسان حياته أو صحته، وقد يحوله إلى شخص عاجز كإصابة العمل، والحالات الصحية الطارئة.

فالاهتمام بالبيئة التعليمية انحصر في تطوير المناهج والتعليم لتتوافق مع احتياجات سوق العمل، وهي التي لم يكن هناك توافق عليها بين مسؤولي الحكومة ومسؤولي الخاص منذ عشرات السنين، فالقطاع الخاص له رؤيته المطاطية تجاهها، والمسؤول الحكومي له حكمه الخاص في تقدير هذه الاحتياجات، وبين هذه وتلك أهمل كل ما يتعلق بالصحة والسلامة سواء في المدارس أو الجامعات أو حتى أماكن العمل، مثل وجود مختصين أو مختصات في الإسعافات الأولية رغم أهميتها في حياة الإنسان.

وسنأخذ المدارس الحكومية مثلا، فلو عملت مسحا سريعا على جميع مدارس البنين والبنات في المدن الكبرى دون الصغرى ستجد أن النتيجة صادمة، لا يوجد أحد مختص أو لديه دورة في أساسيات الإسعافات الأولية رغم أهميتها في إنقاذ الحياة بعد مشيئة الله، وينطبق هذا على جميع الجهات الحكومية والخاصة دون استثناء، وإذا وجد فهو نادر، وقد يكون بجهود شخصية وذاتية من قبل الشخص ذاته، مع استحالة ذلك في ظل عدم وجود جهات تتولى عقد مثل هذه الدورات.

وبمقارنة واقع مدارسنا فيما يتعلق بالسلامة والصحة بنظيراتها في دول العالم، نجد أن هناك فرقا لصالح هذه الدول رغم الإنفاق المرتفع الذي يحظى به تعليمنا، فعلى سبيل المثال، في مدرسة أبنائي الواقعة شمال شرق بريطانيا في مدينة «درم»، والتي لا يتجاوز عدد طلابها 200 طالب وطالبة توجد أربع مختصات أو حاصلات على دورة الإسعافات الأولية، بمعنى مسعفة أولية لكل 50 طالبا وطالبة، وعند مناقشة مديرة المدرسة أفادت بأن هذا شرط أساسي يجب توفره في جميع المدارس.

ومدينة درم بالمناسبة مدينة صغيرة لا تعاني من ازدحام مروري يعيق وصول المسعفين في وقت قصير إلى مكان المصاب أو المريض، وهي ليست كالرياض أو جدة أو الدمام التي يحتاج مسعفو الهلال الأحمر إلى وقت ليس بالقصير للوصول إلى مكان المريض أو من يحتاج لخدماتهم، ويتوقف ذلك على مكان المريض والازدحام المروري، إذ يطول في وقت الذروة لعدم وجود طرق ومسارات محددة لسيارات الإسعاف.

وبعد أن حضرت الأسبوع الماضي دورة في أساسيات الإسعافات الأولية تعقدها الجامعة مجانا لطلابها أدركت حينها أن وجود مسعفين أوليين مؤهلين في المدارس وأماكن العمل يجب أن يمنح أولوية قصوى كونه يتعلق بصحة وسلامة الإنسان، وأن أهميته لربات البيوت لا تقل شأنا عنهما، ولا سيما أن الدورة المتعلقة بالحصول على الأساسيات لا تتجاوز يوما واحدا مكثفا أو يومين على أن تتولى هيئة الهلال الأحمر السعودي والمستشفيات الحكومية منح هذه الدورات.

[email protected]