رهام فراش

السحر والشكر ونحن

الأحد - 22 مايو 2016

Sun - 22 May 2016

جرت العادة أثناء فقرة التكريم التي تحصل في بعض المناسبات أن نسمع مقدمة تحتوي عبارة (من لم يشكر الناس لم يشكر الله)، والسؤال لماذا لم تتجاوز هذه العبارة حدود خشبة المسرح، وتتحرر من قيود الإطار الخشبي للدرع الذي يحمل (كلمة شكرا)، هل حكمنا عليها بالشلل المؤبد فقدرها ألا تكون لها أرجل تمشي بها على الأرض لتصافح قلوب الناس بصدق تشكرهم على الخدمة والمعروف والكلمة الطيبة والإحسان!

يؤكد الدكتور جون جراي وهو طبيب نفسي وأحد المبدعين الذين بيعت ملايين النسخ من كتبهم، أهمية الشكر في حياة الإنسان الناجح، فالزوجة مثلا التي تشكر زوجها على ما يقوم به، أو الزوج الذي يشكر زوجته، فإن هذا الشكر يحفز للقيام بمزيد من الإبداعات والنجاح في الحياة الأسرية، فالامتنان يقدم لك المزيد من الدعم والقوة.

ويوضح الخبير «جيمس راي» هذه الحقيقة بقوله: إن قوة الشكر كبيرة جدا فأنا أبدأ يومي كلما استيقظت صباحا بعبارة «الحمد لله»، لأنني وجدتها مفيدة جدا وتمنحني طاقة عظيمة! ليس هذا فحسب، بل إنني أشكر الله على كل صغيرة وكبيرة، وهذا سر نجاحي أنني أقول «الحمد لله» وأكررها مرارا طيلة اليوم!

في المقابل نرى ثقافة الحقوق لدى الناس نمت بشكل كبير حتى إن جزءا منها أخذ منحى سلبيا، فأصبح الفرد منا يعتقد أن من حقه أن يشتكي ويعترض ويتظلم على كل شاردة وواردة تصادفه في حياته اليومية، ويستعرض قدرته ووعيه بذلك ابتداء من المنزل مرورا بالشارع وصولا لبيئة العمل!

وهنا خلل كبير في فهمنا لطبيعة الحقوق التي إن أردنا أن نحصل عليها فلا بد لنا الالتزام بواجباتنا تجاه أنفسنا أولا، ومن ثم تجاه كل بشر وحجر يحيط بنا، وبعدها سنجد الحقوق قد لبيت دون عناء انتزاعها أو المطالبة بها والتظلم بشأنها.

وجزء مهم من واجبنا أن نشكر قبل أن نسخط ونتذمر!

منظر مألوف جدا أن نرى في الأماكن العامة التي تقدم خدمات أو منتجات (صندوقا للشكاوى) أو بطاقات توزع لحصر النقد والإفصاح عن التعليقات على مستوى الخدمة أو المنتج المقدم للجمهور، وفي الغالب لا تتردد فئة كبيرة من الناس في كيل النقد والشتائم وحشد جيوش من الكلمات السلبية اعتراضا على أمر معين.

لكن الغريب أن قلة من يلتفتون لثقافة الشكر ويخصصون لها مساحة ومنصة ويوجهون الناس الراضين والممتنين ليبدوا آراءهم الإيجابية تجاه الخدمات والمنتجات لتدعم وتمتن للجيد والمتقن والجميل لينمو وينتعش ويرتوي بمياه الشكر الطيبة.

وأغلب الظن أن السبب في إحجام كثيرين عن نهج طريق الشكر هو الاعتقاد أن من يقدم دوره ويؤدي واجبه بالشكل المطلوب مجبر على هذا العمل، لأنه يتقاضى عليه أجرا ويحصل على مقابل من الناس، وهذا خطأ فادح!

الشكر المعنوي البسيط شكل حضاري وإنساني يفترض أن نعتاد على ممارسته بداية من أبسط أشكاله إلى أن يشمل كل شيء يستحق الشكر نتعامل معه في حياتنا، وأن نربي أطفالنا ونغرس هذه الثقافة في جيل كامل خاصة أن القرآن الكريم يعلمنا أن الشكر يجلب الزيادة في قوله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) إبراهيم: 7.

فقط تعود أن تشكر وتمتن لكل شيء وستجد رضا وسعادة وسكينة تنعكس عليك بشكل سحري، تستطيع أن تختبرها في اليوم الذي تستيقظ فيه فتشكر الله على نعمته امتثالا لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يعلمنا في أذكار الاستيقاظ من النوم أن نقول: (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور).

ولا عجب في أن للشكر تأثيرا مذهلا في حياة معظم المبدعين، فالامتنان للآخرين هو أسهل الطرق للنجاح، وهو طريقة قوية ومؤثرة حتى عندما يقدم لك أحد معروفا صغيرا فإنك عندما تشكره تشعر بقوة في داخلك تحفزك للقيام بالمزيد من الأعمال الخيرة. وفي دراسة حديثة تبين أن الامتنان والشكر يؤديان إلى السعادة وتقليل الاكتئاب وزيادة المناعة ضد الأمراض.