منى سالم باخشوين

منْ صنع المعجزة؟

السبت - 21 مايو 2016

Sat - 21 May 2016

قد تتفق معي على أن كلام الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله منطقي جداً. فهو يقول: «ولأن دلالنا للأبناء زاد عن الحد، انقلب إلى الضد، وباتوا لا يقدرون ولا يمتنون ويطلبون المزيد. فهذه التربية تفقد الابن الإحساس بالآخرين ومنهم أمه وأبوه ولن يجد بأساً بالراحة على حساب سهرهما وتعبهما. وإني أتساءل: ما المشكلة لو تحمل صغيرك المسؤولية؟ ماذا لو عمل وأنجز وشعر بمعاناة وتألم، فالدنيا دار كد وكدر ولا مفر فيها من الشقاء ليفوز وينجح. والأم الحكيمة تترك صغيرها ليتحمل بعض مشاقها وتعينه بتوجيهاتها وتسنده بعواطفها فيشتد عوده ويصبح قادراً على مواجهة مسؤولياته وحده».

هذا كلامه رحمة الله عليه، وإليك واقعنا الذي صار أبناؤنا يستمدون سلوكهم وأفكارهم فيه من فيلم سينمائي أو مسلسل أو مقطع من هنا أو هناك ويطبقون ما فيه على كثير من حياتهم. فإذا ما شاهد ممثلاً يشتم أباه أو يضربه أو حتى يحرقه لأنه يكرهه فينتقم منه على منعه إياه مالاً قد لا يحتاجه، أو سفراً لا يقدم ولا يؤخر، أو صحبة أقران قد يضلونه، أو حتى لنفرض أنه أب متعسف وقاس، قلده وربما تماماً.

وهناك مسرحية عرضت منذ عشرات السنوات وما زال تأثيرها إلى اليوم ومثلها كثير، يستهزئ فيها الطلاب من المدرسة ومن فيها من معلم ومدير ونظام.

اليوم صار طلابنا يحرقون سيارات معلميهم إذا لم ينجحوا في اجتياز المادة وصار المعلم غالباً لا يجيد التصرف ولا يدرس إلا ليتسلم راتباً فقط. وصارت الجهة المسؤولة عن كل ذلك لا تفعل ما يمكن أن ندعوه تربية لا المنزل ولا المدرسة ولا الشارع والمجتمع. انقلبت الموازين وقل تقدير المعلم وساء إعداده فلا تتوقع أن يكون المجتمع إلا همجياً وإن بدا لك أنه متحضر.

والذي لا يقل سوءاً عن ذلك برامج التسطيح والسخف والعته إن أردت التي تعرضها قنواتنا العربية والتي تعتمد على مقدمة للبرنامج لم تترك جزءاً من جسدها إلا وعدلته أو غيرت ملامحه، هذا عدا عن ملابسها التي تغطي ولا تغطي وحديثها الذي لا يقل سخفاً عن المظهر ثم نجد البرنامج كل أسبوع على قنواتنا وبين يدي أبنائنا يخرب فيهم ما يمكن تخريبه ويشوه ما يمكن تشويهه وماذا نتوقع بعد؟ إذا ظل إعلامنا بهذه السطحية ومعلمنا لا يجد إعداداً كما ينبغي ولا احتراماً فلن تجدي نفعاً، كل محاولاتنا للنهوض بمجتمعنا اقتصادياً وصناعياً. نحتاج لهذا وذاك ولكثير من ترسيخ الهوية الصحيحة الجادة التي تعي بالفعل ما معنى كل ما يحدث وسيحدث.

يقول «لي كوان» الذي أسس سنغافورة كما نراها، أنه لم يقم بمعجزة وإنما خصص موارد الدولة للتعليم وغير مكانة المعلم من الطبقة البائسة إلى أرقى طبقة، فالمعلم هو من صنع المعجزة وأنتج جيلاً متواضعاً يحب العلم والأخلاق.