شاهر النهاري

السعودي والدرل!

الجمعة - 20 مايو 2016

Fri - 20 May 2016

لست خياليا، ولا أحاول دعوة الشباب لما لا أدعو إليه أبنائي، ولكني أحاول التفكير بصوت مرتفع، فلعل غيري أن يعقل، ولعل مثلي أن يدرك، ولعل الأعقل منا أن يسمح لأبنائه بما مُنع هو عنه بزيف واقع مجتمع بدوي متعجرف يتسابق للوظائف العظمى، ويشتري المناصب بكل معطياته، ليتمرغ الكثير من شبابنا في بلاط كل منصب، وبحيث يجدون منه بعض ما ينسبون أنفسهم إليه، فهذا نائب، وهذا مدير مكتب، وهذا منسق، وهذا كاتب، وهذا خوي، وفراش، وسائق لا يسوق... إلى آخر الوظائف الوجاهية تلك، المتمرغة في تراب هذه المناصب، والذي بالطبع لا قيمة لأغلبهم، فهم أكثر من الهم على القلب، وهم يتميزون ليس بفعلهم، ولكن بنوعية الواسطات، التي أدنتهم من هذا المنصب المحطم لقدرات الشباب، والمعلم الأمثل للتمظهر والتكاسل، والتحايل، والكذب، والتفاخر، وإمضاء الوقت بين غياب للعقل، أو غياب للجسد، أو للاثنين معا، فما يهم هو المرتب، بالإضافة إلى المسمى الوظيفي، والكشخة.

قبل أيام حضر إلى منزلي عامل من جنسية عربية، وقام بأعمال من البساطة بحال كان يجدر بي أن أقوم بها بنفسي، وأن أوفر المبلغ الذي طلبه مني بعد عمل عدة دقائق، وحينما تساءلت عما ينقصني، قال لي إنه ينقصني الدرل، وزاد في التوضيح: الحفار، الخرامة، الشنيور!

وهذا جهاز كهربائي بسيط، يستخدم لإحداث خرم صغير في الجدار لتثبيت المسامير فيه، تاركا على الأيدي بعض الغبار!

نحن لا نحسد من يعمل بيديه ويغبرها، ولكنه أمر محير، فكيف تمكن خلال عمل عشر دقائق من الحصول على مبلغ لو حسبناه بدون حقد وحسد، فسنجد أنه في نهاية كل شهر يحصل على أضعاف مرتب المساكين، المنتشين بنشا لمعة الثياب، والعمل بما لا ينفع البلد.

كثيرون تتعب عليهم الدولة، في المعاهد المهنية، وكليات التقنية، وبالفعل فإنهم يعانون كثيرا ليتخرجوا، ومن ثم يبحثون عن أقصر الطرق لتولي وظيفة مكتبية، يتمكنون خلالها من وضع ركبة على ركبة، نافين كل علاقة لهم بالمهنة، والدرل، وحتى لو تقدم أحدهم لخطبة إحدى بنات الأسر، فإنه يضطر لتبرير ظروفه الصعبة، التي جعلته يرضى بتلك الدراسة المزرية!

بعض الشاب السعودي طموح ولا شك، ولكن البريق سرعان ما يغلبه، فالبعض من خريجي المعاهد المهنية، يطلب قرضا من الدولة، ثم يجلب لها الأيدي العاملة ممن لا يخشون من الغبار، ولا يستعرون من حمل الدرل.

ويسارع بشراء طاولة ضخمة وكرسي ليكون مديرا عليهم، لا يشاركهم، إلا في حصة ما ينالونه من خير، ومن دون أن يمس الغبار أنامله الرقيقة.

لقد فاته منصب الدولة، فكيف لا يصنع لنفسه منصبا إداريا مبهرجا، يحاول عند الحرج مع المجتمع التبرؤ من أعماله، ويدعي أنه رجل أعمال متشعب المجالات، وأن هذا العمل البسيط، في سبيله للزوال، نظرا لعدم تكافؤه مع صاحبه!.

لن أنكر أن بعض الشباب السعوديين يتواجدون في المصانع العظمى، وأن بعضهم منتج، ومبدع، ولكن أغلبهم يمضون إلى طور الذات المكتبية، أملا في نفض الغبار، وإنكار العلاقة بالدرل.

المناصب الحكومية، والمجتمع، والتربية، ونوعية التعليم، وما يحدث في ثقافتنا هو السبب، وحقيقة أننا نحتاج لشنيور يخرم جدران هويتنا، ويبدلها.