إذا ما نحينا ما حف بكتاب «الخطيئة والتكفير» من تعصب له وتعصب عليه، و«توسطنا» بين الغذامي وخصومه، كان متن الكتاب مفزعنا وغايتنا، بعد أن صفت السماء، وانكشفت الغيوم، ورجعنا البصر فيه، نستثير كلماته ونسألها، فعسى أن تجلو لنا ما فيه من «كفر»، حين اطرح خصومه ما فيه من «نظر نقدي»، فأصبح الكتاب، وكأنما هو كتاب في «الفرق والنحل»، لا كتاب في «نقد الأدب ونظريته».
وأول ما يستجلب النظر أن كتاب «الخطيئة والتكفير» أريد به النقد الأدبي ونظرية النقد، وأن الكتاب خلص لهذه الغاية واجتهد في بيانها، وأنك، مهما جلت في أثنائه، فلن تظفر بـ«كفر»، ولا «إيمان»، إذا كان غرضك أن تمسك بواحدة من هاتين المسألتين، بل لعلك، إن أردت الانتصار لصاحب الكتاب، تقع على كلمات هي بعض ما غار في عقل المؤلف، فدل على سطوتها عليه، ولعلك تردها إلى تدين الرجل، وعساك تعتدها أثرا من آثار تلمذته لشيخه الجليل محمد الصالح العثيمين، في عنيزة، ثم اختلافه إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بالرياض.
إذن، كيف سيق الكتاب إلى غير ما أريد له؟ ولم اشتد عليه نقاده، حتى تحولوا إلى «خصوم»، وجعلوا يشنعون على الكتاب وعلى مؤلفه، وإذا به وكأنه استجمع كل قدراته، فما فيه إلا «كيد» للدين، و«تمكين» للتغريب، وبدل أن نقرأ -أو نسمع- كلاما في تقريظه أو نقده أو نقضه، على ما تقتضيه صناعة النقد، أضحينا نقرأ، ونسمع، كلاما في الكفر والإيمان، والتغريب، مما دار في أندية القوم، آنئذ، ولاكته الألسن. ولم عد قوم «البنيوية»، و«التشريحية»، و«السيميولوجية» دلائل تمرد على الدين؟ وما أصل هذا الموضوع وجرثومته؟
وأول ما يقال ها هنا: إن كتاب «الخطيئة والتكفير» كتاب في نقد الأدب، وإن الكلم الذي احتشد له متنه، هو مما يصطنعه نقاد الأدب والمشتغلون في نظريته، عرف ذلك في الغرب، ثم عرفه العرب بأخرة، يؤيد ذلك ويقويه أن هذه المناهج الحداثية لو كانت ضارة -بالدين- بطبيعتها، لثار الناس في الجامعة والمسجد والشارع وأندية القوم بكل من اصطنع «البنيوية»، و«الأسلوبية»، و«السيميولوجيا»، وما إليها أداة له، ولبلغنا أنباء ذلك. وأنا لا أعرف أن جامعة الملك عبدالعزيز ثارت بالدكتور سعد مصلوح حين نشر في «مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية» بحثا اصطنع فيه «الأسلوبية الإحصائية» موضوعا له، ولم أقرأ أن سعيد السريحي ائتمر به القوم حين دافع عن رسالته للماجستير، عام 1402هـ=1982م، ومر بنا أنه عالج شعر أبي تمام بمنهج الأسلوبيين والبنيويين، ولم ينته إلينا شيء من ذلك حين نشر رسالته في كتاب عام 1404هـ=1983م، ولو كان اسم «البنيوية» راعبا مخيفا يحمل في طياته دلائل التمرد على الدين والخروج عليه، لتناولت ألسن المتدينين الدكتور يوسف نور عوض، حين أخرجت له مطبعة في جدة كتابه «الطيب صالح في منظور النقد البنيوي»، ولثار به زملاؤه ورصفاؤه في قسم اللغة العربية وآدابها، كما أنني لم أقرأ ولم أسمع أن المتدينين -وإن شئت المحافظين- لم يهدأ بالهم حين أخرج الدكتور شكري عياد في مدينة الرياض كتابه «مدخل إلى علم الأسلوب»، عام 1403هـ=1983م، ثم أخرج في الرياض نفسها كتاب «اتجاهات البحث الأسلوبي»، عام 1405هـ=1985م، ولم أقرأ، كذلك، أن الدكتور عبدالوهاب الحكمي ضيق عليه أو حورب حين عرض في كتابه «الأدب المقارن»، عام 1403هـ=1983م، لاتجاهات البنيوية وما بعدها، ومن قبل هؤلاء وأولئك لم يصب الدكتور لطفي عبدالبديع، ولا الدكتور تمام حسان، شيء من ذلك، وسهمة الرجلين مذكورة في الألسنية والنقد الحداثي، وأشد من ذلك وأبلغ أنني لم أقرأ ولم أسمع أن أحدا ثار في وجه نادي الرياض الأدبي حين صدع محمد أركون من منبره بكلام عن «الألسنية الحديثة»، عام 1405هـ=1985م، وأنت تعرف مقدار ما لأركون في الفكر الحديث!
إذن، أين المشكلة؟
سأدع الكتاب جانبا، إلى المؤلف، فعسى أن نستبين شيئا يجلي غبش المعركة والخصومة. على أنني لن أقرأ نية الغذامي، فالنيات لا يعلمها إلا الله، وإنما سأقرأ الغذامي بنصوصه، فعسى أن أصل إلى أصل الخصومة وفصلها.
وعندي أن الغذامي أغري بالحط من خصومه، يسفههم ويجهلهم، ويبسط لسانه وقلمه فيهم، وتدلنا محاضراته، قبل «الخطيئة والتكفير» وبعده، وأحاديثه الصحفية على استصغاره علم الآخرين ومعرفتهم، فهو، وحده، الذي يعلم، وهو، وحده، الذي يفهم، أما الذين أبوا ما أراده،
فلا علم لهم ولا إدراك، ولو أنعمنا النظر في محاضراته التي ضمها كتابه «الموقف من الحداثة» لاستبانت لنا تلك اللغة التي نال فيها من خصومه، منذ آمن الرجل بالشعر الحديث وصدر عنه، وتلقانا أمثال هذه العبارات «وأبت عليهم نفوسهم إلا الاحتجاب بغطاء الجهل فلم يعرفوا أن من كتب الجديد ما كتبه إلا بعد أن سبر أغوار القديم»، و«أما الجانب الثاني فهو قصور المعرفة لدى مناوئي التجديد ويتجلى ذلك بعدم فهمهم للجديد. وهذا مرض متأصل فيهم»، ويصور نفسه وكأنما كان «غريبا كصالح في ثمود»! فلا أحد «يفهم» كلامه، و«لا يسائله»، وصارت حاله كمن «يضرب في جسد ميت»! يقول «وأجمل أنواع الاستجابات لصنيعي هو مجادلتي عليه، مما يشعرني بأنني أتخاطب مع قوم عاقلين، وليس مع قوم سادرين. وكم كنت أشكو في الماضي من أن ما أقوله من قول لا يجد أناسا تسائلني عليه، حتى إنني كنت أحس أنني أضرب في جسد ميت»! وعلى ما انطوى عليه هذا الكلام من «تيه»، و»غرور»، فإنه ينطوي، كذلك، على «ازدراء»، و»احتقار» لم يسلم منهما أحد، فكل من يقرؤه لا يفهمه، يستوي في ذلك الحداثيون والمحافظون، والمجددون والتقليديون، وبذلك أتي الغذامي من جهته هو، وكأنه دعا «خصومه» إلى ذمه بالحق وبالباطل، ولا شأن لتلك الخصومة بمناهج في النقد حديثة، عرفها هو، بأخرة، ولا يصح أن نصفها بـ«كفر» ولا «إيمان»!
وأول ما يستجلب النظر أن كتاب «الخطيئة والتكفير» أريد به النقد الأدبي ونظرية النقد، وأن الكتاب خلص لهذه الغاية واجتهد في بيانها، وأنك، مهما جلت في أثنائه، فلن تظفر بـ«كفر»، ولا «إيمان»، إذا كان غرضك أن تمسك بواحدة من هاتين المسألتين، بل لعلك، إن أردت الانتصار لصاحب الكتاب، تقع على كلمات هي بعض ما غار في عقل المؤلف، فدل على سطوتها عليه، ولعلك تردها إلى تدين الرجل، وعساك تعتدها أثرا من آثار تلمذته لشيخه الجليل محمد الصالح العثيمين، في عنيزة، ثم اختلافه إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بالرياض.
إذن، كيف سيق الكتاب إلى غير ما أريد له؟ ولم اشتد عليه نقاده، حتى تحولوا إلى «خصوم»، وجعلوا يشنعون على الكتاب وعلى مؤلفه، وإذا به وكأنه استجمع كل قدراته، فما فيه إلا «كيد» للدين، و«تمكين» للتغريب، وبدل أن نقرأ -أو نسمع- كلاما في تقريظه أو نقده أو نقضه، على ما تقتضيه صناعة النقد، أضحينا نقرأ، ونسمع، كلاما في الكفر والإيمان، والتغريب، مما دار في أندية القوم، آنئذ، ولاكته الألسن. ولم عد قوم «البنيوية»، و«التشريحية»، و«السيميولوجية» دلائل تمرد على الدين؟ وما أصل هذا الموضوع وجرثومته؟
وأول ما يقال ها هنا: إن كتاب «الخطيئة والتكفير» كتاب في نقد الأدب، وإن الكلم الذي احتشد له متنه، هو مما يصطنعه نقاد الأدب والمشتغلون في نظريته، عرف ذلك في الغرب، ثم عرفه العرب بأخرة، يؤيد ذلك ويقويه أن هذه المناهج الحداثية لو كانت ضارة -بالدين- بطبيعتها، لثار الناس في الجامعة والمسجد والشارع وأندية القوم بكل من اصطنع «البنيوية»، و«الأسلوبية»، و«السيميولوجيا»، وما إليها أداة له، ولبلغنا أنباء ذلك. وأنا لا أعرف أن جامعة الملك عبدالعزيز ثارت بالدكتور سعد مصلوح حين نشر في «مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية» بحثا اصطنع فيه «الأسلوبية الإحصائية» موضوعا له، ولم أقرأ أن سعيد السريحي ائتمر به القوم حين دافع عن رسالته للماجستير، عام 1402هـ=1982م، ومر بنا أنه عالج شعر أبي تمام بمنهج الأسلوبيين والبنيويين، ولم ينته إلينا شيء من ذلك حين نشر رسالته في كتاب عام 1404هـ=1983م، ولو كان اسم «البنيوية» راعبا مخيفا يحمل في طياته دلائل التمرد على الدين والخروج عليه، لتناولت ألسن المتدينين الدكتور يوسف نور عوض، حين أخرجت له مطبعة في جدة كتابه «الطيب صالح في منظور النقد البنيوي»، ولثار به زملاؤه ورصفاؤه في قسم اللغة العربية وآدابها، كما أنني لم أقرأ ولم أسمع أن المتدينين -وإن شئت المحافظين- لم يهدأ بالهم حين أخرج الدكتور شكري عياد في مدينة الرياض كتابه «مدخل إلى علم الأسلوب»، عام 1403هـ=1983م، ثم أخرج في الرياض نفسها كتاب «اتجاهات البحث الأسلوبي»، عام 1405هـ=1985م، ولم أقرأ، كذلك، أن الدكتور عبدالوهاب الحكمي ضيق عليه أو حورب حين عرض في كتابه «الأدب المقارن»، عام 1403هـ=1983م، لاتجاهات البنيوية وما بعدها، ومن قبل هؤلاء وأولئك لم يصب الدكتور لطفي عبدالبديع، ولا الدكتور تمام حسان، شيء من ذلك، وسهمة الرجلين مذكورة في الألسنية والنقد الحداثي، وأشد من ذلك وأبلغ أنني لم أقرأ ولم أسمع أن أحدا ثار في وجه نادي الرياض الأدبي حين صدع محمد أركون من منبره بكلام عن «الألسنية الحديثة»، عام 1405هـ=1985م، وأنت تعرف مقدار ما لأركون في الفكر الحديث!
إذن، أين المشكلة؟
سأدع الكتاب جانبا، إلى المؤلف، فعسى أن نستبين شيئا يجلي غبش المعركة والخصومة. على أنني لن أقرأ نية الغذامي، فالنيات لا يعلمها إلا الله، وإنما سأقرأ الغذامي بنصوصه، فعسى أن أصل إلى أصل الخصومة وفصلها.
وعندي أن الغذامي أغري بالحط من خصومه، يسفههم ويجهلهم، ويبسط لسانه وقلمه فيهم، وتدلنا محاضراته، قبل «الخطيئة والتكفير» وبعده، وأحاديثه الصحفية على استصغاره علم الآخرين ومعرفتهم، فهو، وحده، الذي يعلم، وهو، وحده، الذي يفهم، أما الذين أبوا ما أراده،
فلا علم لهم ولا إدراك، ولو أنعمنا النظر في محاضراته التي ضمها كتابه «الموقف من الحداثة» لاستبانت لنا تلك اللغة التي نال فيها من خصومه، منذ آمن الرجل بالشعر الحديث وصدر عنه، وتلقانا أمثال هذه العبارات «وأبت عليهم نفوسهم إلا الاحتجاب بغطاء الجهل فلم يعرفوا أن من كتب الجديد ما كتبه إلا بعد أن سبر أغوار القديم»، و«أما الجانب الثاني فهو قصور المعرفة لدى مناوئي التجديد ويتجلى ذلك بعدم فهمهم للجديد. وهذا مرض متأصل فيهم»، ويصور نفسه وكأنما كان «غريبا كصالح في ثمود»! فلا أحد «يفهم» كلامه، و«لا يسائله»، وصارت حاله كمن «يضرب في جسد ميت»! يقول «وأجمل أنواع الاستجابات لصنيعي هو مجادلتي عليه، مما يشعرني بأنني أتخاطب مع قوم عاقلين، وليس مع قوم سادرين. وكم كنت أشكو في الماضي من أن ما أقوله من قول لا يجد أناسا تسائلني عليه، حتى إنني كنت أحس أنني أضرب في جسد ميت»! وعلى ما انطوى عليه هذا الكلام من «تيه»، و»غرور»، فإنه ينطوي، كذلك، على «ازدراء»، و»احتقار» لم يسلم منهما أحد، فكل من يقرؤه لا يفهمه، يستوي في ذلك الحداثيون والمحافظون، والمجددون والتقليديون، وبذلك أتي الغذامي من جهته هو، وكأنه دعا «خصومه» إلى ذمه بالحق وبالباطل، ولا شأن لتلك الخصومة بمناهج في النقد حديثة، عرفها هو، بأخرة، ولا يصح أن نصفها بـ«كفر» ولا «إيمان»!