الأنا...

تفاعل
تفاعل

السبت - 21 مايو 2016

Sat - 21 May 2016

العيش في زاوية الهدوء، والعقلانية يجعلنا نستيقظ على صوت نداء بعيد، يوقظنا من غيبوبة تضخيم الأنا التي تعمل على تغييب الآخرين، ورميهم خارج لعبة الحياة، وأحقيتهم في التفكير، الذي هو حق مشاع للجميع.

هذه الأنا التي جعلتنا نتقوقع في إطارها المحدود، البعيد عن المشاركة، والاستمتاع بإنجاز، ونجاحات الآخرين خوف ظهورهم من خلالنا وإقصائنا، أو طينا في حقائب النسيان، والتهميش.

إن الخاصرة الأضعف في حياة الإنسان هي الأنا الضيقة، المتعالية التي تجعل قيمته تتهاوى حتى يصبح بلا قيمة عند نفسه، فضلا عن الآخرين الذين يتشاركون معه الحياة، ويتنافسون في ميادينها الفسيحة.

إن فرض الإنسان الأنا بقوة ليس عيبا، ولا منقصة، ولكن الاستكبار، ومحاولة طمس ملامح الطرف الآخر من أجل التزعم، والسيادة، أو البحث عن الشهرة التي غدت هاجسا يقض مضاجع كثير من الكائنات البشرية استفحلت حتى أصبحنا نسير خلف وهم لا يدوم طويلا، وأمسينا نعيش بلا مشروع يدفعنا إلى الأمام.

إلا أن انتقاد الآخرين ومناقشتهم من أجل استصلاح أفكارهم يسهمان في بنائهم وتنميتهم لكن الرغبة في التطويح بالآخرين، والعبث بأفكارهم، وانتقادهم من أجل الانتقاد، ومحاولة كسر طموحهم ساقتنا إلى التمركز حول الأنا التي غالبا ما تلجأ إلى مناقشة التوافه، ومحاولة اتهام الآخرين بالنقص المبني على الأوهام، أو الفكرة التي انبثقت عن الأنا فلم تتجاوز أرنبة أنف قائلها، ومع ذلك ضخمت بما يتناسب مع مروجها، ويخدم مصالحه انتصارا للأنا بعيدا عن المشروع المتكامل الذي كان من الأولى الدوران حوله، واستشعار كل طرف بأنه مكمل للآخر؛ لتتكامل الرؤية ويتماسك البناء.

رائحة هذه الأنا ما تلبث أن تفوح في هذا الزمن المتسارع بمادياته، وبأفكاره المعلبة التي عبثت بإنسان هذا اليوم، وأغرته، وجعلته يسير خلف أناه وهو يحسب بأنه يمتلك ما لم يمتلكه غيره؛ فتصدر من لا يستحق، وتوارى عن الأنظار من هو على قدر من الوعي، والقدرة على تحطيم الأنا المنحرفة التي جعلتنا نعيش عالما من الوهم.

نحن قادرون مع هذا التحول الوطني على تحدي الأنا، والوقوف في وجه هذا الطوفان الهادر من الأفكار المعشعشة في ذاكرة الأنا التي يساهم انحرافها وتضخيمها في تأخرنا، وإخفاقاتنا، وبالتالي فإذا أردنا أن ننتشل أنفسنا من أتونها فإن علينا أن نروض ذواتنا على تقبل أفكار الآخرين، والفرح بإنجازاتهم، ومناقشتها بعيدا عن شخصنتها فكما قيل الكبار يناقشون الأفكار، أما الصغار فيناقشون الشخصيات.