أحمد حسن الأحمدي

طوابير الحياة

تفاعل
تفاعل

السبت - 21 مايو 2016

Sat - 21 May 2016

نشأت فكرة الطابور مع ظهور المجتمعات الصناعية في بدايات القرن الـ19 وبدأ كنموذج بدهي استحدثه البشر لتنظيم الحشود وحفظ أولوياتهم في الحصول على الخدمة، وبرز العامل الأهم في هذا النموذج وهو «المعدل الزمني للانتظار» لتختلط معه مشاعر التوتر والأمل والإحباط. ولعل أهم ما يميز الطابور أنه ذاتي الرقابة كل فرد فيه يعرف يقينا مكانه ودرجة أولويته فيه ومكان من قبله ومن بعده فيتشارك الجميع هم الحفاظ على آلية سيره.

في أقسى الظروف وأسعدها برزت أهميته بشكل فعال في تسهيل عمليات الانسياب وتقديم الخدمات فازدادت علاقة البشر به في جميع بلدان العالم فأصبح تقليدا مشتركا بين الشعوب.

في الحقبة الشيوعية كانت طوابير الانتظار السمة الأبرز في مظاهر الحياة العامة لكون جميع الخدمات تقدم من قبل مرافق الدولة المحدودة بما فيها المستلزمات الغذائية فالتهمت الطوابير جزءا غير يسير من حياة الكثيرين من مواطني تلك الدول وكانت من أوائل المؤشرات على فشل تلك الأنظمة ودنو أجلها .

يعكس الطابور مدى كفاءة القطاعات الخدمية في إنجاز معاملات روادها كما يعكس مستوى التحضر لدى المجتمعات المختلفة، فالبريطانيون على سبيل المثال هم من أفضل الشعوب تقيدا بالطوابير ولديهم غريزة ذاتية في تكوين طابور متى دعت الحاجة من دون أن يطلب منهم ذلك وفي المجتمعات الخليجية تعطى الأولويات دوما للنساء وكبار السن في تجاوز الطابور من باب التقدير.

وفي عصر المعلوماتية الحالي نشأت الطوابير الافتراضية داخل الأنظمة المحوسبة والتي تخلت عن أهم ما يميز الطابور الحقيقي وهو «الرقابة الذاتية» لتتكتل مئات الملايين من الحشود حول العالم على ضمائر المتحكمين بسير هذه الطوابير في كل المؤسسات الخدمية حول العالم.

ولأن الطابور نموذج عادل لم ولن يمانع أحد في الوقوف في جميع أنواع الطوابير (الإسكان، الصحة، التوظيف...) حقيقية كانت أم افتراضية طالما هناك مصلحة تتحقق للجميع في نهاية الأمر ولكن بسبب ما يعتريها من خلل سواء كان في ذاتها أو في المنظومة الكلية التي تتبعها تضعف الثقة في جدواها وتصبح رموزا للمعاناة وبالتالي وسيلة لفوضى دائمة.