هل هذا كثير على العرب؟
الخميس - 19 مايو 2016
Thu - 19 May 2016
كنت أتصفح صحيفة نيويورك تايمز الدولية وأنا في الطائرة عائدا من دبي إلى جدة عندما استوقفني مقال للصحفي الأمريكي الشهير روجر كوهين بعنوان «العرب يذبلون».
وكان كوهين، بأسلوبه المتميز، يستعرض في مقاله كتابا بعنوان «غضب من أجل النظام: الشرق الأوسط في اضطراب، من ميدان التحرير إلى داعش»، للمؤلف روبرت ف. وورث.
ولم يكن المقال مجرد استعراض للكتاب المذكور لكن كوهين ضمنه أيضا تحليلا دقيقا للحالة المزرية التي وصلت إليها بعض الدول العربية خاصة بعد ما يعرف بـ«ثورات الربيع العربي».
وقال كوهين إن تلك الثورات لم تؤد إلا إلى تحطيم حياة وآمال الأسر والمجتمعات العربية.
ووصف الكتاب بأنه صريح وواضح وشفاف ويكشف بعدا جديدا عن مكاننا في الوقت الراهن وقال إن الإرث التاريخي قد أضاف ثقلا جديدا على العالم العربي بحيث لم يعد بمقدوره حمله والتعامل معه.
وقد ظل العرب يتحدثون لسنوات طويلة عن المجتمعات التي كسرها الحكام الديكتاتوريون من أجل مصالحهم الخاصة ومكاسبهم الضيقة كما تحدثوا أيضا عن المشكلات القائمة متمثلة في الطائفية، والقبلية والاستخبارات التي أفشلت كل الجهود الرامية إلى خلق مجتمع مدني.
وكان المقال واقعيا في نبرته لكنه مؤلم في تناول الأوضاع في بعض الدول العربية خاصة بعد عام 2011، حيث ارتفع حجم الإحباطات وزادت حدة اليأس إلى مستوى جعل الناس يصرخون مطالبين بالعودة إلى وضعهم السابق الذي يحسبونه أفضل مما هم عليه الآن. وهذا بالطبع أمر طبيعي في مثل هذه الأحوال لأن كثيرا من الشعوب والدول تمر بظروف مشابهة.
وليست الأمور قاتمة كل القتامة، فقد وقع أمران خلال الأسابيع الأربعة الماضية يدعوان إلى التفاؤل، أولهما استفتاء الشباب العربي في عام 2015 وثانيهما منتدى الإعلام العربي لعام 2016 في دبي.
وفي هذا الملتقى قابلت بعض المشاركين وناقشت معهم الأوضاع العربية الراهنة فرأيت على وجوهم الكثير من الأمل في غد أحسن حالا وأفضل إشراقا، كما شعرت منهم برغبة حقيقية في التنمية والتطور وإصرار على تحقيق السلام والاستقرار.
وأفضل مثال على المستقبل الواعد هو دولة الإمارات العربية المتحدة التي تشرئب بأمل وثقة نحو غد أكثر أشراقا وبهجة.
وقد أجمع المشاركون بلا استثناء على رفض الإرهاب بكل صوره وأشكاله متمثلا في داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية ورفض كل أعمال هذه المنظمات الظلامية ووحشيتها التي تمارسها باسم الإسلام وهو بريء منها، كما رفضوا أية انتهاكات لحقوق الإنسان باسم ما يعرف بالإسلام السياسي.
وفي هذا الإطار أيضا فقد أظهر الصحفيون الذين فازوا بجوائز المنتدى عزيمة لا تلين ورؤية واضحة لتصحيح الأوضاع وترتيب المسار.
ونحن بالطبع لا يمكن أن نستمر على هذا الحال ويجب أن يتوقف على الفور نشر ثقافة الكراهية، وإقصاء الآخر، وانتفاء روح التسامح، ونظرية المؤامرة وغيرها من مبررات تستخدم للقمع والقتل والتدمير.
لقد نزفنا كثيرا من الدماء وقد آن لهذا النزيف أن يتوقف.
إن أوضاعنا في العالم العربي صارت مزرية ومحزنة وأصبحنا أمة ماضيها أفضل بكثير من حاضرها، ومستقبلها لن يكون أفضل حالا من الحاضر إن لم نغير ما بأنفسنا ولم نزل كل أسباب الفرقة والشتات ونوقف النزف والموت ونعطي القدوة والمثل للأجيال القادمة عسى أن تكون أفضل حالا منا.
وفي رأيي فإن الحل الأمثل الذي يمكننا من الانعتاق والانطلاق يكمن في خلق مناخ من الثقة، وبناء المؤسسات المدنية والتركيز على المشكلات الحقيقية التي تواجهنا.
ومن هذه المشكلات، على سبيل المثال وليس الحصر، غياب الحوكمة والعدالة الاجتماعية وقصور الخدمات الصحية، وأنظمة التعليم البالية التي زرعت الكراهية والإقصاء وهي في الوقت نفسه لا تساعد على الخلق والابتكار إنما تخرج ببغاوات تردد ما حفظت وتعجز على الحصول على المهارات الخاصة التي يتطلبها سوق العمل فتكثر طوابير العطالى الباحثين عن لقمة شريفة.
ومن المشكلات الملحة التي تستلزم حلولا عاجلة شح المياه وندرتها من أجل توفيرها للأجيال الحالية والقادمة وفي هذا الإطار يرى كثير من المراقبين أن المياه قد تكون سببا للحروب المقبلة لا قدر الله.
ومن المشكلات التي تستدعي الحلول المبكرة والمبتكرة هي زيادة عدد السكان بصورة قد تعجز موارد الدولة عن مقابلتها فينشأ في عالمنا العربي جيل من الشباب الأمي والمريض بحيث تعجز الحكومات عن توفير التعليم والدواء لهم.
ولا أشك مطلقا أن العرب، كل العرب، يريدون الحياة بكرامة وهم يريدون أيضا أن يكونوا بشرا من لحم ودم وليس فقط أرقاما في إحصاءات رسمية تصدرها مراكز الإحصاء.
إن العرب يريدون أن يتنفسوا ويشعروا بالحرية وبآدميتهم وإنسانيتهم ولا يريدون أن يكونوا رعايا لحكومات لا تأبه بهم ولا تمتثل لحكم القانون، وأن يكونوا شركاء في التنمية ولا يعيشوا تحت الوصاية والجباية.
إن العرب يريدون أن يحيوا بعزة وكرامة فهل هذا كثير عليهم؟
[email protected]
وكان كوهين، بأسلوبه المتميز، يستعرض في مقاله كتابا بعنوان «غضب من أجل النظام: الشرق الأوسط في اضطراب، من ميدان التحرير إلى داعش»، للمؤلف روبرت ف. وورث.
ولم يكن المقال مجرد استعراض للكتاب المذكور لكن كوهين ضمنه أيضا تحليلا دقيقا للحالة المزرية التي وصلت إليها بعض الدول العربية خاصة بعد ما يعرف بـ«ثورات الربيع العربي».
وقال كوهين إن تلك الثورات لم تؤد إلا إلى تحطيم حياة وآمال الأسر والمجتمعات العربية.
ووصف الكتاب بأنه صريح وواضح وشفاف ويكشف بعدا جديدا عن مكاننا في الوقت الراهن وقال إن الإرث التاريخي قد أضاف ثقلا جديدا على العالم العربي بحيث لم يعد بمقدوره حمله والتعامل معه.
وقد ظل العرب يتحدثون لسنوات طويلة عن المجتمعات التي كسرها الحكام الديكتاتوريون من أجل مصالحهم الخاصة ومكاسبهم الضيقة كما تحدثوا أيضا عن المشكلات القائمة متمثلة في الطائفية، والقبلية والاستخبارات التي أفشلت كل الجهود الرامية إلى خلق مجتمع مدني.
وكان المقال واقعيا في نبرته لكنه مؤلم في تناول الأوضاع في بعض الدول العربية خاصة بعد عام 2011، حيث ارتفع حجم الإحباطات وزادت حدة اليأس إلى مستوى جعل الناس يصرخون مطالبين بالعودة إلى وضعهم السابق الذي يحسبونه أفضل مما هم عليه الآن. وهذا بالطبع أمر طبيعي في مثل هذه الأحوال لأن كثيرا من الشعوب والدول تمر بظروف مشابهة.
وليست الأمور قاتمة كل القتامة، فقد وقع أمران خلال الأسابيع الأربعة الماضية يدعوان إلى التفاؤل، أولهما استفتاء الشباب العربي في عام 2015 وثانيهما منتدى الإعلام العربي لعام 2016 في دبي.
وفي هذا الملتقى قابلت بعض المشاركين وناقشت معهم الأوضاع العربية الراهنة فرأيت على وجوهم الكثير من الأمل في غد أحسن حالا وأفضل إشراقا، كما شعرت منهم برغبة حقيقية في التنمية والتطور وإصرار على تحقيق السلام والاستقرار.
وأفضل مثال على المستقبل الواعد هو دولة الإمارات العربية المتحدة التي تشرئب بأمل وثقة نحو غد أكثر أشراقا وبهجة.
وقد أجمع المشاركون بلا استثناء على رفض الإرهاب بكل صوره وأشكاله متمثلا في داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية ورفض كل أعمال هذه المنظمات الظلامية ووحشيتها التي تمارسها باسم الإسلام وهو بريء منها، كما رفضوا أية انتهاكات لحقوق الإنسان باسم ما يعرف بالإسلام السياسي.
وفي هذا الإطار أيضا فقد أظهر الصحفيون الذين فازوا بجوائز المنتدى عزيمة لا تلين ورؤية واضحة لتصحيح الأوضاع وترتيب المسار.
ونحن بالطبع لا يمكن أن نستمر على هذا الحال ويجب أن يتوقف على الفور نشر ثقافة الكراهية، وإقصاء الآخر، وانتفاء روح التسامح، ونظرية المؤامرة وغيرها من مبررات تستخدم للقمع والقتل والتدمير.
لقد نزفنا كثيرا من الدماء وقد آن لهذا النزيف أن يتوقف.
إن أوضاعنا في العالم العربي صارت مزرية ومحزنة وأصبحنا أمة ماضيها أفضل بكثير من حاضرها، ومستقبلها لن يكون أفضل حالا من الحاضر إن لم نغير ما بأنفسنا ولم نزل كل أسباب الفرقة والشتات ونوقف النزف والموت ونعطي القدوة والمثل للأجيال القادمة عسى أن تكون أفضل حالا منا.
وفي رأيي فإن الحل الأمثل الذي يمكننا من الانعتاق والانطلاق يكمن في خلق مناخ من الثقة، وبناء المؤسسات المدنية والتركيز على المشكلات الحقيقية التي تواجهنا.
ومن هذه المشكلات، على سبيل المثال وليس الحصر، غياب الحوكمة والعدالة الاجتماعية وقصور الخدمات الصحية، وأنظمة التعليم البالية التي زرعت الكراهية والإقصاء وهي في الوقت نفسه لا تساعد على الخلق والابتكار إنما تخرج ببغاوات تردد ما حفظت وتعجز على الحصول على المهارات الخاصة التي يتطلبها سوق العمل فتكثر طوابير العطالى الباحثين عن لقمة شريفة.
ومن المشكلات الملحة التي تستلزم حلولا عاجلة شح المياه وندرتها من أجل توفيرها للأجيال الحالية والقادمة وفي هذا الإطار يرى كثير من المراقبين أن المياه قد تكون سببا للحروب المقبلة لا قدر الله.
ومن المشكلات التي تستدعي الحلول المبكرة والمبتكرة هي زيادة عدد السكان بصورة قد تعجز موارد الدولة عن مقابلتها فينشأ في عالمنا العربي جيل من الشباب الأمي والمريض بحيث تعجز الحكومات عن توفير التعليم والدواء لهم.
ولا أشك مطلقا أن العرب، كل العرب، يريدون الحياة بكرامة وهم يريدون أيضا أن يكونوا بشرا من لحم ودم وليس فقط أرقاما في إحصاءات رسمية تصدرها مراكز الإحصاء.
إن العرب يريدون أن يتنفسوا ويشعروا بالحرية وبآدميتهم وإنسانيتهم ولا يريدون أن يكونوا رعايا لحكومات لا تأبه بهم ولا تمتثل لحكم القانون، وأن يكونوا شركاء في التنمية ولا يعيشوا تحت الوصاية والجباية.
إن العرب يريدون أن يحيوا بعزة وكرامة فهل هذا كثير عليهم؟
[email protected]