منى عبدالفتاح

رقباء من كل صنف ولون

الخميس - 19 مايو 2016

Thu - 19 May 2016

لأن المشاعر الإنسانية لا تتجزأ تجاه حادثة أو موقف يستثيرها كطبيعة نقية غير ملونة وفقا لتوجه أو ميول أو انتماء، ولأن العواطف لا يشترط توفيرها وادخارها لتذهب إلى من يستحقها أكثر وتتقاصر عمن يُعتقد أنهم دون ذلك، فإنه كذلك لا ينبغي أن يتم تقسيم حالة الحزن حسب الأولويات. فمن يحزنه ضحايا سوريا يحزن كذلك لأطفال غزة ومآسي العراق كما بورما والروهينجا ودارفور وباريس، إلى المشردين والمتسربين من المدارس، إلى الأيتام في دور الرعاية، وتطول القائمة، ولكن يسع الحزن الجميع.

أستغرب لمن يطلبون توفير مساحات الحزن لأهل الملة أو الدين أو المشترك الثقافي أو الجغرافي وينسون أن هناك مشتركا أكبر وهو الإنسانية التي يتساوون فيها بحكم الخالق، فما يجب علينا هو أن تكون قلوبنا مفتوحة على العالم دون فرز يوخزنا ما يوخز أي بريء، ويستثير شفقتنا أي مظلوم دون النظر إلى لونه أو عرقه أو انتمائه.

عندما نحزن على أطفال سوريا نجد من يعاتب كل متعاطف، سواء أكان تعاطفه كتابة أو تعبيرا شفويا بأي من الوسائل، وتذكيره بأن بلاده فيها ما فيها من أحزان. وعندما نحزن على وضع إنساني مترد في أفريقيا أو غيرها من المناطق المنكوبة نجد من يلفت النظر إلى ضرورة ادخار هذه المشاعر إلى من يشاركوننا خاصية أخرى. وما يجب التذكير به في هذه الحالة هو عدم مصادرة حق الناس في أن تتألم ما دامت لهم قلوب تتسع لكل هؤلاء، ومن كان قلبه ضيقا فليوزع حزنه حسب الحاجة. لستم مطالبين بما لا تستطيعونه، فقط اتركوا غيركم يعبر بالطريقة التي يحسها دون زيف. أما نحن الذين نصبنا خيام الحزن فستكون كذلك إلى أن تقام دولة العدل في الأرض.

مثل هذه القصص تستدعي إلى مخيلتي صورة رقباء من كل صنف ولون. هناك الرقيب العاطفي، والرقيب الأدبي الذي لا يكتفي بالانتقاد فقط وإنما قد ينسف أعمالا أخذت من أصحابها جهدا ووقتا، لمجرد أنها لا تروقه، ولحذاقته يستخدم أدوات الخبير نفسها. ومثله نجد الرقيب الفني الذي لا يراعي ذائقة غيره ويصدر أحكامه على أي عمل من غير سبب موضوعي أو نقد منطقي. وحيث إن مهنة الصحافة لها خصوصية وتميز، كونها من المهن التي تُحظى بالاحترام لتعبيرها الأمين عن صوت الناس، فإن هذا الضمير معرض للانكسار متى ما ظهرت نقاط الخلل في محاولات قراءة الواقع.

قد تكون القراءة حيادية يساهم فيها الرقيب بما يملك من روح ينبغي أن تكون صادقة، أو في حالة أخرى لا يتمكن من التجرد من الانتماءات. وفي قضية كهذه ليس هناك منطقة وسطى أو رمادية بين الصدق في الطرح والتلون، وبين الجرأة في تناول المعلومة والخوف منها، لأن توظيف كل هذا من المفترض أن يكون في السعي إلى خدمة الحقيقة ولا شيء غيرها.

ولن نتحدث عن دور الإعلام في العالم الثالث وتطوره مع تطور العصر متجاوزا النظرة إليه بوصفه ترفيها فقط، وإنما رغم سيادة هذا العنصر إلا أنه تنوع حسب مقتضيات ومتطلبات الناس، كما أنها تجتهد مستفهمة عن الحدود التي تفصل بين حرية التعبير وحق انتهاك حرية الآخر في ذات التعبير.

هذا فيما يتعلق بالرقيب الصحفي كسلطة، ولكن ما بال الكثيرين يحكمون أنفسهم من خلال منابر عديدة في استنساخ سلطة أخرى هي أشد مضاضة، تُمارس على تدوين المشاعر أو التعليق تجاه قضية أو موقف عظُم أو قل شأنه؟ ما بال الناس يخرجون من ضيق الرقابة إلى الفضاء الفسيح فيضيقوه أيضا على بعضهم البعض.

وجب أن يتحسس أصحاب الرقابة على المشاعر ضمائرهم، لأنهم يحسدون حتى الضحايا على كونهم ضحايا، ويحنقون على ما تستدعيه حالتهم من اهتمام ممزوج بالدموع حتى من المآقي المتحجرة.

[email protected]