عادل حوشان

الصلاة في مكة والعلم في اليابان

الأربعاء - 18 مايو 2016

Wed - 18 May 2016

لحكاية التي ينقلها لي أحد منسوبي التعليم العالي في حديث جانبي بين اثنين جالسين على أكتاف الظهيرة، كان يستشهد بها بتجربة مهاتير محمد.

«ولد في 20 يونيو 1925. كان رئيس وزراء ماليزيا في الفترة من 1981 إلى 2003، له الدور الرئيس في تقدم ماليزيا، تحولت من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية إلى دولة صناعية متقدمة يساهم قطاعا الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي، تبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة 85% من إجمالي الصادرات، وتنتج 80% من السيارات التي تسير في الشوارع الماليزية، انخفضت نسبة السكان تحت خط الفقر من 52% من إجمالي السكان في عام 1970، إلى أكثر من 5% فقط في عام 2002، ارتفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 1247 دولارا في عام 1970 إلى 8862 دولارا في عام 2002، وانخفضت نسبة البطالة إلى 3%.

ومهاتير هو القائل «إذا أردت الصلاة فسأذهب إلى مكة أما إذا أردت العلم فسأذهب إلى اليابان».

يقول مهاتير محمد في آخر تقرير له عن الموازنة العامة قبل تقاعده كرئيس للوزراء إن حكومته أدركت تماما أهمية اعتناق قيم إيجابية لتحقيق التقدم المنشود، ولهذا اعتنق منذ 22 عاما سياسة النظر إلى الشرق، والمقصود بها اعتناق قيم العمل السائدة في اليابان وكوريا التي تقوم أساسا على الانضباط الشديد والإخلاص التام لجهة العمل، والحرص على اختيار المديرين ليكونوا قدوة لموظفيهم».

وبينما نحن نؤخر أكتاف الظهيرة عن العمل كان الحديث عن تجربة مهاتير محمد في تغيير سياسة التعليم العالي حين سأل مسؤولها عن «كم يكفي ليتخرج في جامعاتنا 500 مهندس بكفاءة عالية»؟

وكانت إجابة التعليم أننا ربما نحتاج إلى عشرين عاما، وبالمناسبة الأرقام متغيرة أي إنها ليست دقيقة ولا يعتمد عليها ولا علاقة لها بأكتاف الظهيرة.

حين وجد مهاتير رقم السنين أعلى بكثير من طموحاته في تغيير هذا البطء طلب إعادة تقييم المناهج التعليمية في الجامعات واكتشف أن أكثر من 50% منها لا تصلح لدراسة الهندسة بل إنها عبء على طلبة التعليم العالي، واستطاع أن يحصل على الرقم الذي يريده بكفاءة أعلى بربع المدة التي حددتها له المؤسسة التعليمية بعد السؤال!

منسوب التعليم العالي كان يقول إن أكثر من 60 ـ 70% من مناهجنا في التعليم العالي ليست سوى مواد عامة ولا نعرف ماذا سيقول مسؤول آخر في كل مؤسسة تعليمية أو تدريبية.

لكننا قريبون جدا مما يحدث في كل مؤسساتنا التعليمية ونعرف النتائج النهائية التي تصدر ضمن أمخاخ خريجيها التي لا غبار عليها.

معظم الاقتراحات التي حملتها أكتاف الظهيرة بعدنا كانت أن نتنازل عن حرصنا الزائد بتعليم كل شيء في أقصر وقت وفي كل مرحلة، وإلا ماذا سيستفيد طالب الكليات العلمية من مناهج اللغة والأدب والفقه والتفسير التي يفترض أننا أجهزنا عليها خلال 12 عاما من العمر المنهجي؟

لم يقل حتى الآن أي واحد منا ولا حتى مهاتير محمد أي كلمة تمس بسوء ثلاث مراحل من التغذية المكثفة والمكررة لعلوم عامة يمكن حفظها في البيوت.

هل سمعتم أي واحد من الثلاثة الذين أحدهم لم يرتكب إثم الظهيرة المثقلة بالديون ولم يعتل سوى المجد بصناعة دولة نموذجية أو اثنان خرج كل واحد منهما ينهر أولاده لكي يحفظوا الدرس جيدا من المعلم لكيلا «يسودون وجيهنا» أمام امتحانات كل شيء بريالين؟

آخر تقليعات مناهج العلم التحذير من خطر الابتعاث وأن القليل من «طلابنا» يسلمون من الانحراف في العقيدة والقيم والسلوك «سدّ أذنيك يا مهاتير» كنا نتهامس فقط للمزاح فيما بيننا.

[email protected]