تظل تلك العودة الحالمة إلى الجذور الأولى للإنسان غاية محفزة على الفن والتفكير والتأمل واختلاق الأساطير التي تعج بها الميثولوجيا، حتى لتكاد هذه العودة متأصلة في صميم لاوعي الإنسان؛ هذا التوق الدائم لتلك المنابت الأولى، يجعل كل فعلٍ وشعورٍ تلقائي يقوم به الإنسان نتيجة وسببا لذلك المحرك الوجداني الخفي في عمق الروح البشرية.
تأخذنا مجموعة الشاعر ياسر العتيبي الموسومة بـ«في قلبِ حمامةٍ سوداء»، إلى تلك المنابت الإنسانية الأولى جاعلة من وعاء الرمزية مدخلا وجوديا متجددا ولا نهائيا بكل حمولاته الفلسفية الضاربة في عمق الوجودِ الإنساني، ويتجلى عنوان المجموعة الشعرية «في قلب حمامة سوداء»، ليكسر رتابة الصورة الفنية، ويفعّل حس المغايرة الإبداعية، باستدعاء قلبِ حمامة سوداء، تجافي في استدعائها عادات الشعراء في الركون الدائم إلى الحمامة البيضاء، بكل ما تختزنه الذاكرة الإنسانية عن الحمامة من أساطير، وما يحمله اللونان الأسود والأبيض من رمزية وجودية أسطورية.
وترتسم فصول المحنة الإنسانية، المتمثلة في انفصاله عن الرحم العلوية الأولى، وتنتظم على امتداد أكثر صفحات المجموعة الشعرية الستين، وتطل جل نصوص المجموعة من نافذة الهواجس الدائمة المرتبكة المؤلمة المخيفة، وكلها تحمل في تمظهراتها المختلفة صورة ذلك الكائن المنبت الغريب الفاقد لذاكرته الأولى، والذي ما فتئ يسعى جهده لاسترجاعِ تلك الذاكرة المفقودةِ المنهوبة.
أغصان
وحين يفتتح الشاعر مجموعته بنص «أغصان» فإنه يرسل للقارئ إشاراتٍ ذكية تختصر عليه مسافاتِ البحث، وتكشف له عن ملابسات ما يمكن أن يغمض من رموز ومعان.
(لقد كسرت غصنَ شجرة/ وولدت بسبب تساقط الأوراق/ ومنذ تلك اللحظة/ وأنا أحاول أن أتجاوز الأشياءَ/ التي تنكسر أمامي/ بخوفٍ وارتباكْ).
تبدو محنة انفصال الإنسان الملطخ بالتراب، عن منابته السماوية العلويةِ ظاهرة في هذا النص؛ ذلك الإنسان الذي ارتكبَ الخطيئة (كسرت غصنَ شجرة)، ثم أسقطته الخطيئة من عليائه ليشرع على الأرض أبواب الخطايا الموصدة، (ولدت بسبب تساقط الأوراق)، وفي لحظة السقوط تلك تحتّم على الكون أن يعيد ترتيب أوراقه من جديد، في انتظار الخاطئ الذي سقط من علياء خلوده، وكان ( قبل أن يضع قدميه على الأرض/ كان يشعر بالوحدة والألم/ وبوجود ذاكرتين..!)، إحداهما معلّقة هناك في العلوِ البعيد، والأخرى تائهةٌ هنا على الأرضِ الغريبة؛ إنها صورةٌ تمثِّل بكل جلاء وجمال ذلك التشظي الذي افترعَ مخيلةَ البشرية ولا يزال.
(ولدت بسبب تساقط الأوراق) (..تحاول أن تسقط) (..المحاولات المهددة بالسقوط) (..أحيانا تسقط متعبة) (..مشت كثيرا تحت الأشجار ولم تسقط) (..تقف لحظة وتسقط) (..تسقط اللحظة) (في الجحيم سقطَ أحدهم).
هذا السقوط المتوالي والحاضر بقوة في نصوص المجموعة، لا يكاد يخلو في كل حالاته من الألمِ الأزلي، والوحدة المتوحشة.
كرة
تواصل نصوص المجموعةِ اعتمادها على عنصر المباغتة والفلسفة المدهشة، متماهية بين جهتي الأعلى والأسفل، وهذا ما يلمح في نص «كرة»، (يركل الكرةَ إلى الأعلى/ تقف لحظة وتسقط/ يركل الكرةَ مرة أخرى/ تسقط اللحظة/ وتبقى الكرة معلَّقة في الهواء).
هنا يعلو صوتٌ احتجاجيٌ خافت، ويصبح تبادل الأدوار بين أعلى وأسفل، فرضا حتميا لا مناص منه.
وبمثابةِ كبسولاتٍ شعرية، ولمحاتٍ تصويريةٍ سريعة، تأتي «نصوص قصيرة»، في آخر المجموعة الشعرية لتمارس ذاتَ الحضور الإنساني الواعي في النصوص السابقة، مبتكرة صورها الرمزية المختلفة، كتلك التي تصف اللحظة التي يحاول فيها الشاعر أن (يرفع قدميه على الطاولة/ وينظر/ من أقصى عينيه/ ويشعل سيجارة/ ويحرق الهواء)، ذلك الاشتعال الذي يعادل تفتَّحَ الحياة وحيويتها، وتلك السيجارة التي يحاول رمادها أن ينبهنا إلى سرعة انصرامِ الحياة، ليظل وحيدا ذلك الهواء المحترق، رامزا إلى الروحِ المنعتقةِ من جسدها، مراقبة (اللحظةَ التي كسرتْ زجاجَ الساعة)، وأضحت (تلاحقها العقارب/ في كلِّ مكان).
ويأبى الشاعر إلاّ أن يختتم مجموعته الشعرية بذاتِ الثيمةِ الوجوديةِ التي اتسمت بها المجموعة في جلِّ نصوصها؛ ذلك لأنّ (أحدَنا/ كان ينام/ في قلبِ حمامةٍ سوداء).
تأخذنا مجموعة الشاعر ياسر العتيبي الموسومة بـ«في قلبِ حمامةٍ سوداء»، إلى تلك المنابت الإنسانية الأولى جاعلة من وعاء الرمزية مدخلا وجوديا متجددا ولا نهائيا بكل حمولاته الفلسفية الضاربة في عمق الوجودِ الإنساني، ويتجلى عنوان المجموعة الشعرية «في قلب حمامة سوداء»، ليكسر رتابة الصورة الفنية، ويفعّل حس المغايرة الإبداعية، باستدعاء قلبِ حمامة سوداء، تجافي في استدعائها عادات الشعراء في الركون الدائم إلى الحمامة البيضاء، بكل ما تختزنه الذاكرة الإنسانية عن الحمامة من أساطير، وما يحمله اللونان الأسود والأبيض من رمزية وجودية أسطورية.
وترتسم فصول المحنة الإنسانية، المتمثلة في انفصاله عن الرحم العلوية الأولى، وتنتظم على امتداد أكثر صفحات المجموعة الشعرية الستين، وتطل جل نصوص المجموعة من نافذة الهواجس الدائمة المرتبكة المؤلمة المخيفة، وكلها تحمل في تمظهراتها المختلفة صورة ذلك الكائن المنبت الغريب الفاقد لذاكرته الأولى، والذي ما فتئ يسعى جهده لاسترجاعِ تلك الذاكرة المفقودةِ المنهوبة.
أغصان
وحين يفتتح الشاعر مجموعته بنص «أغصان» فإنه يرسل للقارئ إشاراتٍ ذكية تختصر عليه مسافاتِ البحث، وتكشف له عن ملابسات ما يمكن أن يغمض من رموز ومعان.
(لقد كسرت غصنَ شجرة/ وولدت بسبب تساقط الأوراق/ ومنذ تلك اللحظة/ وأنا أحاول أن أتجاوز الأشياءَ/ التي تنكسر أمامي/ بخوفٍ وارتباكْ).
تبدو محنة انفصال الإنسان الملطخ بالتراب، عن منابته السماوية العلويةِ ظاهرة في هذا النص؛ ذلك الإنسان الذي ارتكبَ الخطيئة (كسرت غصنَ شجرة)، ثم أسقطته الخطيئة من عليائه ليشرع على الأرض أبواب الخطايا الموصدة، (ولدت بسبب تساقط الأوراق)، وفي لحظة السقوط تلك تحتّم على الكون أن يعيد ترتيب أوراقه من جديد، في انتظار الخاطئ الذي سقط من علياء خلوده، وكان ( قبل أن يضع قدميه على الأرض/ كان يشعر بالوحدة والألم/ وبوجود ذاكرتين..!)، إحداهما معلّقة هناك في العلوِ البعيد، والأخرى تائهةٌ هنا على الأرضِ الغريبة؛ إنها صورةٌ تمثِّل بكل جلاء وجمال ذلك التشظي الذي افترعَ مخيلةَ البشرية ولا يزال.
(ولدت بسبب تساقط الأوراق) (..تحاول أن تسقط) (..المحاولات المهددة بالسقوط) (..أحيانا تسقط متعبة) (..مشت كثيرا تحت الأشجار ولم تسقط) (..تقف لحظة وتسقط) (..تسقط اللحظة) (في الجحيم سقطَ أحدهم).
هذا السقوط المتوالي والحاضر بقوة في نصوص المجموعة، لا يكاد يخلو في كل حالاته من الألمِ الأزلي، والوحدة المتوحشة.
كرة
تواصل نصوص المجموعةِ اعتمادها على عنصر المباغتة والفلسفة المدهشة، متماهية بين جهتي الأعلى والأسفل، وهذا ما يلمح في نص «كرة»، (يركل الكرةَ إلى الأعلى/ تقف لحظة وتسقط/ يركل الكرةَ مرة أخرى/ تسقط اللحظة/ وتبقى الكرة معلَّقة في الهواء).
هنا يعلو صوتٌ احتجاجيٌ خافت، ويصبح تبادل الأدوار بين أعلى وأسفل، فرضا حتميا لا مناص منه.
وبمثابةِ كبسولاتٍ شعرية، ولمحاتٍ تصويريةٍ سريعة، تأتي «نصوص قصيرة»، في آخر المجموعة الشعرية لتمارس ذاتَ الحضور الإنساني الواعي في النصوص السابقة، مبتكرة صورها الرمزية المختلفة، كتلك التي تصف اللحظة التي يحاول فيها الشاعر أن (يرفع قدميه على الطاولة/ وينظر/ من أقصى عينيه/ ويشعل سيجارة/ ويحرق الهواء)، ذلك الاشتعال الذي يعادل تفتَّحَ الحياة وحيويتها، وتلك السيجارة التي يحاول رمادها أن ينبهنا إلى سرعة انصرامِ الحياة، ليظل وحيدا ذلك الهواء المحترق، رامزا إلى الروحِ المنعتقةِ من جسدها، مراقبة (اللحظةَ التي كسرتْ زجاجَ الساعة)، وأضحت (تلاحقها العقارب/ في كلِّ مكان).
ويأبى الشاعر إلاّ أن يختتم مجموعته الشعرية بذاتِ الثيمةِ الوجوديةِ التي اتسمت بها المجموعة في جلِّ نصوصها؛ ذلك لأنّ (أحدَنا/ كان ينام/ في قلبِ حمامةٍ سوداء).