هل طعنك إنسان تحبه في ظهرك؟
الاثنين - 16 مايو 2016
Mon - 16 May 2016
أقفل عين خيالك أيها القارئ الكريم وحلق في فضاء الماضي أربعة عشر قرنا، لينتقل المشهد لمسجد متواضع في المدينة المنورة إمامه محمد صلى الله عليه وسلم. النبي الكريم يرتل بصوت متهدج جميل، ثم يمر على آية مختلفة، آية تكشط سطح الذكريات والأيام والمواقف والتحديات.. قال الله سبحانه وتعالى (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون). يجد المتأمل خندقا طويلا من التهم والمماحكات والدسائس حاكها كفار قريش، والذين هم أبناء عم وأقارب، وهذا يضاعف مساحة الألم وضيق الصدر! قالوا عنه (ساحر كذاب) و(ساحر مبين) و(رجلا مسحورا) و(كاهن) و(شاعر) و(مجنون) وقائمة طويلة من التهم! وهنا وقفة لا بد منها: تخيل -مع الفارق- لو أن مفكرا مسلما اليوم شنت عليه حملات محمومة لتشويه سمعته، سيعتصره الألم والحسرة دون شك، خصوصا إن صدق الناس ذلك. كان بعض زوار مكة يدخل الحرم وفي أذنيه قطن حتى لا يسمع كلام محمد، بعد السعار الإعلامي الجاهلي الذي شنه القوم على النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا أمر باعث على الحزن، ولكن الذي يمنح كل الأحزان المشردة حق العيش والمواطنة عندما تأتي كل هذه الاتهامات من أقربائك، وممن تعدهم ساعدك الأيمن عند الشدائد، إذ بهم أول المخذلين، إذ بهم من تولوا هذه الحملة المسعورة ضد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم! ويبلغ الضيق والحزن منتهاه عندما يدرك المحزون في قرارة نفسه أن كل هذا محض كذب وافتراء، ويصدر كل هذا الكلام القبيح ضد رجل بلغ الكمال الأخلاقي في التعامل واللطف والصفاء، ويتجاوز الأمر الألفاظ ليرميه الأطفال بالحجارة على قارعة الطريق!
أضف إلى ذلك موت رفيقة الدرب وحبيبة القلب السيدة خديجة رضي الله عنها، ثم حصار اقتصادي في شعب أبي طالب لثلاث سنوات حتى سُمع بكاء الأطفال وصرخات النساء من الجوع! كل هذه الأحزان تتزايد وتجتمع حتى نزلت هذه الآية لتجسد مساحة الحزن الكبيرة في قلب النبي الكريم (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون). هنا إقرار إلهي بالأحزان والمعاناة والضيق، ولكن تأمل الآية التي بعدها. ما هو العمل يا الله عندما يضيق الصدر وتتراكم الهموم؟ ما هي الخطوة التي يجب أن أعملها؟ نقل المشهد تماما بقوله: (فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) ولكن ما دخل التسبيح والسجود في مواجهة الحزن والضيق؟ عند التأمل العميق والعودة للتفاسير تجد الإجابة الصادمة: الفزع إلى الله عندما يصيبك ما تكره، ليكفيك مولاك كل هذا وأكثر.. فرغ هذه الشحنة السلبية في الأرض، واشتغل بالعمل الموجب من تبليغ الرسالة والتوكل عليه.. هكذا يقول ابن كثير بتصرف. كأن الله يوجه رسالة بعدم الدخول في المهاترات الفكرية والمعارك الثقافية التي لا تنتهي. يعلمنا الله ألا ننجر للمناوشات الهامشية التي تصرفنا عن الغاية الكبرى والهدف الأسمى الذي نسعى إليه. هناك خصوم تحاول سحبك لمعارك ثانوية، كن حذرا من الدخول فيها، لأنها مشتتات!
الأعجب من هذا أن الله سبحانه وتعالى دوّن كل هذه التفاصيل في القرآن لتتلى ليوم الدين، لأنها حكاية تتكرر في كل زمان ومكان.
هل يزعجك (منشن) تويتر أحيانا؟ هل يحز بخاطرك كلمة بلغتْك لزملاء يلوكون اسمك في زاوية؟ هل أصابك الهم لإنسان فتحت له قلبك، ثم اكتشفت أنه لا يستحق ذلك؟ هل حل بدارك الغم لمخلوق تحترمه ثم علمت أنه يخيط لك الدسائس عند مغيبك؟ هل أصابك شيء من سهام (الواتس) التي لا تنتهي ومن شتائم الناس هنا وهناك؟ دون شك أنك يضيق صدرك عزيزي القارئ بما يقولون، حتى هذه المقالة هي نتاج لموقف نكأ جرحا لكاتب هذه الأحرف خلال الأيام الماضية، لكن تذكر أن الحل لكل هذا ثابت لا يتغير: (فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين). مع ارتفاع مستوى الحزن، تذكر دائما أن الحل أن ينزل جبينك إلى الأرض، وأقرب ما يكون المؤمن لربه وهو ساجد.. فرغ همومك وأحزانك، ثم امض في طريقك ولا يلتفت منكم أحد!
[email protected]
هذا أمر باعث على الحزن، ولكن الذي يمنح كل الأحزان المشردة حق العيش والمواطنة عندما تأتي كل هذه الاتهامات من أقربائك، وممن تعدهم ساعدك الأيمن عند الشدائد، إذ بهم أول المخذلين، إذ بهم من تولوا هذه الحملة المسعورة ضد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم! ويبلغ الضيق والحزن منتهاه عندما يدرك المحزون في قرارة نفسه أن كل هذا محض كذب وافتراء، ويصدر كل هذا الكلام القبيح ضد رجل بلغ الكمال الأخلاقي في التعامل واللطف والصفاء، ويتجاوز الأمر الألفاظ ليرميه الأطفال بالحجارة على قارعة الطريق!
أضف إلى ذلك موت رفيقة الدرب وحبيبة القلب السيدة خديجة رضي الله عنها، ثم حصار اقتصادي في شعب أبي طالب لثلاث سنوات حتى سُمع بكاء الأطفال وصرخات النساء من الجوع! كل هذه الأحزان تتزايد وتجتمع حتى نزلت هذه الآية لتجسد مساحة الحزن الكبيرة في قلب النبي الكريم (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون). هنا إقرار إلهي بالأحزان والمعاناة والضيق، ولكن تأمل الآية التي بعدها. ما هو العمل يا الله عندما يضيق الصدر وتتراكم الهموم؟ ما هي الخطوة التي يجب أن أعملها؟ نقل المشهد تماما بقوله: (فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) ولكن ما دخل التسبيح والسجود في مواجهة الحزن والضيق؟ عند التأمل العميق والعودة للتفاسير تجد الإجابة الصادمة: الفزع إلى الله عندما يصيبك ما تكره، ليكفيك مولاك كل هذا وأكثر.. فرغ هذه الشحنة السلبية في الأرض، واشتغل بالعمل الموجب من تبليغ الرسالة والتوكل عليه.. هكذا يقول ابن كثير بتصرف. كأن الله يوجه رسالة بعدم الدخول في المهاترات الفكرية والمعارك الثقافية التي لا تنتهي. يعلمنا الله ألا ننجر للمناوشات الهامشية التي تصرفنا عن الغاية الكبرى والهدف الأسمى الذي نسعى إليه. هناك خصوم تحاول سحبك لمعارك ثانوية، كن حذرا من الدخول فيها، لأنها مشتتات!
الأعجب من هذا أن الله سبحانه وتعالى دوّن كل هذه التفاصيل في القرآن لتتلى ليوم الدين، لأنها حكاية تتكرر في كل زمان ومكان.
هل يزعجك (منشن) تويتر أحيانا؟ هل يحز بخاطرك كلمة بلغتْك لزملاء يلوكون اسمك في زاوية؟ هل أصابك الهم لإنسان فتحت له قلبك، ثم اكتشفت أنه لا يستحق ذلك؟ هل حل بدارك الغم لمخلوق تحترمه ثم علمت أنه يخيط لك الدسائس عند مغيبك؟ هل أصابك شيء من سهام (الواتس) التي لا تنتهي ومن شتائم الناس هنا وهناك؟ دون شك أنك يضيق صدرك عزيزي القارئ بما يقولون، حتى هذه المقالة هي نتاج لموقف نكأ جرحا لكاتب هذه الأحرف خلال الأيام الماضية، لكن تذكر أن الحل لكل هذا ثابت لا يتغير: (فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين). مع ارتفاع مستوى الحزن، تذكر دائما أن الحل أن ينزل جبينك إلى الأرض، وأقرب ما يكون المؤمن لربه وهو ساجد.. فرغ همومك وأحزانك، ثم امض في طريقك ولا يلتفت منكم أحد!
[email protected]