الحسد.. يدخل الجمل القدر والرجل القبر
السوق
السوق
الأحد - 15 مايو 2016
Sun - 15 May 2016
إلى رجال الاقتصاد والتجارة والأعمال.. إلى المنشغلين بالأسواق والصناعات.. إلى المشتغلين في مؤسسات الجودة والتصنيف والمراقبة.. إلى المنتقدين لأخلاق التجارة العالمية.. إلى عموم القراء والمطلعين..
أهديت كتابا عن «القيم في السوق» صدرت طبعته الأولى في العام الميلادي 2011 – 1432هـ، وتوجته بالآية الكريمة الثامنة والثمانين بعد المائة في سورة البقرة (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ).
وقد خرج الكتاب محتويا على خمسة وعشرين فصلا، بدأت بالفصل الأول «لماذا اخترت القيم؟»، وانتهت بالفصل الأخير «قيمة ترك الحسد والحقد». ثم الخاتمة، وهكذا قدر الله لهذا الكتاب أن ينتهي..
ولكن الحديث عن القيم قائم ودائم ما دام الإنسان مرتبطا بالإنتاج والتجارة والتبادل بين الشعوب والأمم. وإذا كانت التجارة وتبادل المنافع ضرورة في الحياة، فإنني حاولت أن أبيّن أهمية أن يترافق ذلك النشاط التجاري والنفعي مع مجموعة من القواعد السلوكية المهمة، على صعيد الدين والتقوى والانضباط، إذا لا يكفي مجرد الحصول على أرباح، فهناك تجارة مع الخالق سبحانه لا نريد أن نخسرها، وهناك ثقة مع البشر يجب أن نحافظ عليها، وهناك قيم دعتنا إليها شريعة الإسلام وفطرة الإنسان ينبغي أن نرعاها.
ولو ذهبت تبحث بإنصاف عن أسباب ثقة المستهلك ببعض الدول، أو ببعض الشركات العالمية، أو ببعض المنتجات المعينة، لوجدت أن سبب ذلك يعود إلى (الثقة) التي بنيت على احترام تلك الدول أو الشركات لقيم السوق، فلا غش أو تلاعب أو تمويه أو ظلم أو خداع، بالإضافة للإتقان والجودة والانضباط وتحمل المسؤولية. بينما العكس بالعكس موجود في دول أو منتجات لا توجد بها ثقة لدى المستهلكين، فلا قيم ولا احترام ولا انضباط ولا شفافية.
ومن خلال بعض القصص التي ذكرتها، والخبرات التي دونتها والملاحظات التي قيدتها، أردت أن أضع خبرتي في سنوات طويلة أمام التجار على وجه الخصوص، والقراء على وجه العموم، لعل المسلمين يعودون لقواعد التجارة التي سنّها لهم دينهم، فيجدون كماً هائلاً من القيم والأخلاق التي تسبق موضوع الربح والخسارة وتخزين الأموال وتكديس الأرصدة.
وهذه القيم التي ذكرتها في ثنايا الكتاب فيها عبر وعظات، وحكم ومواقف لذوي الألباب، في هذا الزمان الذي كثرت فيه المنافسة واشتعلت، ومن المؤسف أننا كمسلمين لا نزال في وسط الركب الحضاري.
فعلى كل الأصعدة لم نلتزم بقواعد ديننا الحنيف، فكان إنتاجنا وإبداعنا ضعيفا هشا قليلا بطيئا. وإذا كان مولانا سبحانه قد قال في كتابه العزيز: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) فهذا يدعونا إلى تغيير الأفكار الخاطئة والتعاملات السيئة حتى تتغير أوضاعنا إلى الأفضل والأحسن بعون الله. وهكذا سيبقى السوق قائما ما بقي الناس، ولكن للسوق قيما، وللتجارة أخلاقا، ونحن مدعوون جميعا أن نجعل من التجارة رسالة أخلاقية كما هي فائدة مادية. وأرجو أن تسمح لي قارئي العزيز أن أبدأ اليوم معك من الفصل الخامس والعشرين من «القيم في السوق» وهي «قيمة ترك الحسد والحقد»:
وكما هو معروف فإن هناك آية عظيمة تنص على هذا في سورة الفلق التي يقول الله فيها (وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)، كما أن هناك آية في سورة يوسف عندما نصحهم والدهم يعقوب وقال لهم: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ) آية 67.
مصادر الحسد:
والحسد ينتج عن نقائص كبيرة، فإما أن ينتج عن كبرياء، كأن أرى نفسي أفضل من فلان وأقول في نفسي لماذا عنده هذه النعمة أو المركز والعلم وأنا لا؟! وينتج عن هذا الكبرياء البغض والكره للمحسود. ويقال إن الحسد كان أول معصية ارتكبت في السماء عندما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم فامتنع إبليس كبرياء وحسدا.. (وقال أنا خيرٌ منه). كما أن أول جريمة ارتكبت في الأرض جريمة قتل ابن آدم لأخيه، والسبب أنه تُقبّل من أحدهما ولم يُتقبّل من الآخر. والحسد لا يكون بين الأفراد فقط بل يكون أيضا بين الأمم وقد يكون سببا لزوال النعم.
علاج الحسد:
في الحسد لدينا طرفان، حاسد ومحسود. والحاسد عليه بعلاج نفسه بكثرة الاستغفار والعبادة وتقوى الله تعالى لأنه أحيانا قد يحسد دون أن يقصد، ولا يزيل الحسد إلا التحصن بآيات الله الذي أعطانا سورتين في القرآن الكريم للتحصن.. وهما المعوذتان، فإذا تعود الإنسان أن يقرأهما في الصباح والمساء، فإنه سيحصن نفسه إن شاء الله من الحسد. وأحيانا إذا رأيت نعمة عليك ولم تشكر الله تعالى ولم تحمده وأعجبك ما أنت فيه، فقد تصيب نفسك بالحسد. كما قص علينا سبحانه وتعالى قصة صاحب الجنة فقال سبحانه: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) الكهف 39.
ومن المستحسن أنك كلما رأيت نعمة أنعمها الله عليك وأعجبت بحديقتك أو بيتك أو مكتبك أو إنجازك وأعجبت بأبنائك، لا بد أن تقول (مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ)، وهناك قصص كثيرة يقال إنها حقيقية لأناس حسدوا أبناءهم، ونحن نعلم أن الأجل بيد الله، لكن هناك حديثا عن النبي عليه الصلاة والسلام يقول فيه: «إن الحسد يدخل الجمل القدر، والرجل القبر».
وكما أن الحسد له معانٍ سلبية فأيضاً له معانٍ إيجابية، كقوله عليه الصلاة والسلام «لا حسد إلا في اثنتين..» وهنا الحسد لا يأتي بمعنى زوال النعمة وإنما يأتي بمعنى الغبطة، ونحن نتمنى أن نتعلم الغبطة، بحيث إذا رأيت عليك نعمةً أتمنى من الله مثلها لنفسي ولا أتمنى زوالها عنك.
وهذه هي الحياة التي تعيشها النفوس الراقية، وهى التي تربت على القيم وعلى الأخلاق، وهناك كما نعرف جميعا حديث عن النبي عليه صلوات ربي وملائكته وسلام الناس أجمعين «لا تحاسدوا ولا تباغضوا.. ثم قال: وكونوا عباد الله إخوانا».
وفي حلقات قادمة بعون الله أواصل مع حضراتكم الحديث عن هذا الفصل وبعض من فصول القيم في السوق.
أهديت كتابا عن «القيم في السوق» صدرت طبعته الأولى في العام الميلادي 2011 – 1432هـ، وتوجته بالآية الكريمة الثامنة والثمانين بعد المائة في سورة البقرة (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ).
وقد خرج الكتاب محتويا على خمسة وعشرين فصلا، بدأت بالفصل الأول «لماذا اخترت القيم؟»، وانتهت بالفصل الأخير «قيمة ترك الحسد والحقد». ثم الخاتمة، وهكذا قدر الله لهذا الكتاب أن ينتهي..
ولكن الحديث عن القيم قائم ودائم ما دام الإنسان مرتبطا بالإنتاج والتجارة والتبادل بين الشعوب والأمم. وإذا كانت التجارة وتبادل المنافع ضرورة في الحياة، فإنني حاولت أن أبيّن أهمية أن يترافق ذلك النشاط التجاري والنفعي مع مجموعة من القواعد السلوكية المهمة، على صعيد الدين والتقوى والانضباط، إذا لا يكفي مجرد الحصول على أرباح، فهناك تجارة مع الخالق سبحانه لا نريد أن نخسرها، وهناك ثقة مع البشر يجب أن نحافظ عليها، وهناك قيم دعتنا إليها شريعة الإسلام وفطرة الإنسان ينبغي أن نرعاها.
ولو ذهبت تبحث بإنصاف عن أسباب ثقة المستهلك ببعض الدول، أو ببعض الشركات العالمية، أو ببعض المنتجات المعينة، لوجدت أن سبب ذلك يعود إلى (الثقة) التي بنيت على احترام تلك الدول أو الشركات لقيم السوق، فلا غش أو تلاعب أو تمويه أو ظلم أو خداع، بالإضافة للإتقان والجودة والانضباط وتحمل المسؤولية. بينما العكس بالعكس موجود في دول أو منتجات لا توجد بها ثقة لدى المستهلكين، فلا قيم ولا احترام ولا انضباط ولا شفافية.
ومن خلال بعض القصص التي ذكرتها، والخبرات التي دونتها والملاحظات التي قيدتها، أردت أن أضع خبرتي في سنوات طويلة أمام التجار على وجه الخصوص، والقراء على وجه العموم، لعل المسلمين يعودون لقواعد التجارة التي سنّها لهم دينهم، فيجدون كماً هائلاً من القيم والأخلاق التي تسبق موضوع الربح والخسارة وتخزين الأموال وتكديس الأرصدة.
وهذه القيم التي ذكرتها في ثنايا الكتاب فيها عبر وعظات، وحكم ومواقف لذوي الألباب، في هذا الزمان الذي كثرت فيه المنافسة واشتعلت، ومن المؤسف أننا كمسلمين لا نزال في وسط الركب الحضاري.
فعلى كل الأصعدة لم نلتزم بقواعد ديننا الحنيف، فكان إنتاجنا وإبداعنا ضعيفا هشا قليلا بطيئا. وإذا كان مولانا سبحانه قد قال في كتابه العزيز: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) فهذا يدعونا إلى تغيير الأفكار الخاطئة والتعاملات السيئة حتى تتغير أوضاعنا إلى الأفضل والأحسن بعون الله. وهكذا سيبقى السوق قائما ما بقي الناس، ولكن للسوق قيما، وللتجارة أخلاقا، ونحن مدعوون جميعا أن نجعل من التجارة رسالة أخلاقية كما هي فائدة مادية. وأرجو أن تسمح لي قارئي العزيز أن أبدأ اليوم معك من الفصل الخامس والعشرين من «القيم في السوق» وهي «قيمة ترك الحسد والحقد»:
وكما هو معروف فإن هناك آية عظيمة تنص على هذا في سورة الفلق التي يقول الله فيها (وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)، كما أن هناك آية في سورة يوسف عندما نصحهم والدهم يعقوب وقال لهم: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ) آية 67.
مصادر الحسد:
والحسد ينتج عن نقائص كبيرة، فإما أن ينتج عن كبرياء، كأن أرى نفسي أفضل من فلان وأقول في نفسي لماذا عنده هذه النعمة أو المركز والعلم وأنا لا؟! وينتج عن هذا الكبرياء البغض والكره للمحسود. ويقال إن الحسد كان أول معصية ارتكبت في السماء عندما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم فامتنع إبليس كبرياء وحسدا.. (وقال أنا خيرٌ منه). كما أن أول جريمة ارتكبت في الأرض جريمة قتل ابن آدم لأخيه، والسبب أنه تُقبّل من أحدهما ولم يُتقبّل من الآخر. والحسد لا يكون بين الأفراد فقط بل يكون أيضا بين الأمم وقد يكون سببا لزوال النعم.
علاج الحسد:
في الحسد لدينا طرفان، حاسد ومحسود. والحاسد عليه بعلاج نفسه بكثرة الاستغفار والعبادة وتقوى الله تعالى لأنه أحيانا قد يحسد دون أن يقصد، ولا يزيل الحسد إلا التحصن بآيات الله الذي أعطانا سورتين في القرآن الكريم للتحصن.. وهما المعوذتان، فإذا تعود الإنسان أن يقرأهما في الصباح والمساء، فإنه سيحصن نفسه إن شاء الله من الحسد. وأحيانا إذا رأيت نعمة عليك ولم تشكر الله تعالى ولم تحمده وأعجبك ما أنت فيه، فقد تصيب نفسك بالحسد. كما قص علينا سبحانه وتعالى قصة صاحب الجنة فقال سبحانه: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) الكهف 39.
ومن المستحسن أنك كلما رأيت نعمة أنعمها الله عليك وأعجبت بحديقتك أو بيتك أو مكتبك أو إنجازك وأعجبت بأبنائك، لا بد أن تقول (مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ)، وهناك قصص كثيرة يقال إنها حقيقية لأناس حسدوا أبناءهم، ونحن نعلم أن الأجل بيد الله، لكن هناك حديثا عن النبي عليه الصلاة والسلام يقول فيه: «إن الحسد يدخل الجمل القدر، والرجل القبر».
وكما أن الحسد له معانٍ سلبية فأيضاً له معانٍ إيجابية، كقوله عليه الصلاة والسلام «لا حسد إلا في اثنتين..» وهنا الحسد لا يأتي بمعنى زوال النعمة وإنما يأتي بمعنى الغبطة، ونحن نتمنى أن نتعلم الغبطة، بحيث إذا رأيت عليك نعمةً أتمنى من الله مثلها لنفسي ولا أتمنى زوالها عنك.
وهذه هي الحياة التي تعيشها النفوس الراقية، وهى التي تربت على القيم وعلى الأخلاق، وهناك كما نعرف جميعا حديث عن النبي عليه صلوات ربي وملائكته وسلام الناس أجمعين «لا تحاسدوا ولا تباغضوا.. ثم قال: وكونوا عباد الله إخوانا».
وفي حلقات قادمة بعون الله أواصل مع حضراتكم الحديث عن هذا الفصل وبعض من فصول القيم في السوق.