رهام فراش

احجز مقعدك

الأربعاء - 11 مايو 2016

Wed - 11 May 2016

نعيش مرحلة جديدة لا يليق بها الركود. كل شيء من حولك ستجده يقفز في تطور هائل إذا لم تكن تملك اللياقة الكافية لتحاكيه وتقلده وتتماشى معه وتغذيه من جنونك فلتحجز مقعدك مبكرا في صف المتفرجين.

هذه المقدمة تحمل شفرة لا يستطيع فكها واستيعابها إلا من قرر ذلك!

النية وحدها لا تكفي لصناعة إنسان قرر ألا يعيش على الهامش، وعزم على أن يستحق بجدارة كل نفس يلفظه. تركيبة معقدة ليس لها توصيف أو صيغة محددة يمكن شراؤها من صيدلي أو عطار أو حكيم بأي ثمن، مهما حاولت أن تعرف سرا من أسرار الناجحين وجدت مفتاحا واحد فقط يمكن أن يرشدك لعقولهم، وهو الجنون.

وعلى مر الزمان سمعنا ولا زلنا نسمع عن منجزين متفوقين لمعت أسماؤهم ببصمات نستدل بها عليهم في الواقع، أو لم يعرف عنهم شيء إلا بأثر تركوه بعد رحيلهم نفع البشرية، وساهم في جعل الحياة مكانا أفضل للعيش بكرامة ونقاء.

قد لا يحمل جينات عبقرية، ولا اسم عائلة مرموقة، لم يكن خريج هارفرد، ولا يسكن في قصر من قصب، لكنه رهن حياته للتعلم الذاتي المستمر، ووصف نفسه بالتلميذ في صفوف الحياة. لم يشبع من المعرفة، ولا اغتر بما حصده من منصب وشهادة. عاش نهما لكل معلومة يحتطب بها من الغابات الثرية، ويلقي بها في موقده ليبقيه مشتعلا نابضا حيا، ليجبره أن يستيقظ كل فجر ولسان حاله يلهج بالدعاء أن يعلمه ما ينفع، وينفعه بما علمه، ويرزقه الحكمة.

أنصت لمن يعلمه على قارعة الطريق، شيخا كان أم عالما أم طفلا، وتجول في الشوارع الافتراضية منها والحقيقية ليجد ضالته من خلق وعلم وحلم.

تواضع لكل بشر وحجر يهدي إليه عيوبه، ورد عليه بابتسامة عمرية شاكرة.

قسا على نرجسيته وأخرسها، بل اغتالها بسهم البصيرة، وهي التي ما تمل توسوس له ليل نهار، بما يعمي عينه، ويسدل عليها غشاوة أي شيء سوى ذاته.

سمع أكثر مما تكلم، وقرأ أكثر مما كتب. اجتهد في البعد عن المنصات الحارقة التي يعتليها ليصفق له الناس فيتوهم بأنه وصل. أغمض عينيه متأملا في دورة حياته القصيرة وماذا قدم فيها. أرهف السمع لما سيقال عنه بعد رحيله من كلمات صادقة لشهود عيان، ابتداء من جوارحه، ومرورا بكل من عايشهم، وانتهاء بالجمادات والمخلوقات التي ألهمته في خلقها المنتظم.

قد يكون نصا حالما للبعض، لا يشبه الواقع وغير قابل للهضم، لأن مكوناته لم يسبق أن تتعرف عليها المعدة البشرية التي تشوهت ذائقتها بالكسل والوهن والسلبية والخنوع، ولم تعد تعرف غيرها من غذاء!

لكنها محاولة لرمي حجارة صغيرة تحرك ركود بركة مياه تسكن داخلنا أو نسكنها للأبد، لعلها تتحد مع ما يطرح من رؤى معاصرة معنونة بالورد، مزينة بعبق النهضة، ومرصعة بحب الوطن والالتفاف حوله.