هبة قاضي

الحب نفقة

دبس الرمان
دبس الرمان

الثلاثاء - 10 مايو 2016

Tue - 10 May 2016

جلست وسطهن تستمع لقصص أصبحت تتردد أكثر وأكثر في مجتمعنا حتى كادت تصبح من المعتادات، فما بين الأولى التي تشكو بمرارة من عناء استمرار ترددها على المحاكم لسنوات من أجل طلاقها، وها هي تعاود التردد مطالبة بنفقة أولادها الأربعة الذين لا يسأل عنهم والدهم ولا يعرف عنهم شيئا، وما بين الثانية التي حكت أنها متزوجة ولكنها هي التي تنفق على البيت بسبب ترديد زوجها «ما عندي»، وأنها حين تطالبه يقول بكل برود وصفاقة «طالما عندك اصرفي». تتالت القصص المختلفة في تفاصيلها والمتشابهة في تخلي الرجل عن أهم مقومات رجولته وقوامته وكينونته كمسؤول وراع، ألا وهي النفقة.

ما زلنا نردد فجيعة ازدياد معدلات الطلاق كشيء دخيل على مجتمعاتنا. وما زالت الجهود من الجهات المختصة ومن المؤسسات الدينية والمدنية تتضافر للحد منها ومعالجتها، ولكن ماذا عن ظاهرة تخلي الرجل عن الإنفاق؟ ألا تؤدي إلى ضعف دوره كراع مسؤول، وتلغي الدور الطبيعي الذي أناطه الله به حين طلب منه الإنفاق في مقابل القيادة وتسيير دفة الحياة؟ وماذا عن ظاهرة تقلد النساء مهام رجل البيت من حيث المسؤوليات والأبناء؟ ألا يؤدي ذلك الانحراف في الفطرة إلى شعور المرأة بعدم احتياجها الانقياد للرجل، وبقدرتها على تحمل العبء الأسري، وبالتالي الاستغناء عنه وعن تسلطه أو تلكئه والاستقلال بنفسها وأولادها؟ وماذا عن ظاهرة شعور النساء بأولوية العمل، لأن الرجل في هذه الأيام (لم يعد له أمان)؟ أليس هذا طبيعيا وهي ترى وتسمع قصص ومآسي الرجال الذين يطلقون زوجاتهم اللاتي أفنين معهم أعمارا، ويجدن أنفسهن بعد هذا العمر والجهد بلا أي شيء، ولا حتى أي حق في نفقة أو مأوى؟

رأينا في الأجيال السابقة جداتنا وأمهاتهن يتحملن تسلط الرجل وقسوته، لأنه كان كما يقولون «رجال قايم ببيتو وعيالو»، وربما يكون طيبا ومتساهلا، ولكنها لا تطيقه والمجتمع كله يستحقره، لأن «أهل بيتو محتاجين».

قد نكون تقدمنا وتطورنا، وبالتالي تطور الكثير من المفاهيم والمعتقدات التي نعيش بها حياتنا، ولكن هناك مجموعة من الثوابت المرتبطة بفطرتنا البشرية التي إذا ما تغيرت تشوهت وشوهت معها مقاصد الحياة وهناء عيشها، فالفطرة هي أن المرأة ـ فقيرة كانت أو غنية ـ تشعر برجولة الرجل ورغبتها في الانقياد له حين ينفق عليها، وأن الأطفال يشعرون بالاحترام لوالدهم والولاء له حين ينفق عليهم، وأن اختلال هذا البند يتبعه طرديا اختلال كل شيء آخر.

[email protected]