الغول والعنقاء.. والإلهام!
الاثنين - 09 مايو 2016
Mon - 09 May 2016
أرخميدس كان يستحم في حمام عام حين لاحظ أن الماء في الحوض ارتفع بمقدار حجم الجزء الغائص من جسده ليخرج صارخا «وجدتها! وجدتها!» وليطرح مبدأ أرخميدس الذي يشرح لماذا تطفو بعض الأجسام فوق الماء ويغوص البعض الآخر. إسحاق نيوتن شاهد تفاحة تسقط من شجرتها فاهتدى إلى اكتشاف الجاذبية. ألبرت انيشتاين كان يحدق في برج الساعة بمدينة بيرن بسويسرا أثناء ركوبه عربة الشارع الكهربائية فتساءل: ماذا لو انطلقت العربة بسرعة الضوء؟ وكيف ستبدو حركة ساعة البرج من مكانه؟ وكان ذلك مفتاح اكتشافه لنظرية النسبية.
هذه القصص وغيرها تروى دائما كشواهد على حالة الإلهام التي تصيب الشخص فجأة فتتفتح أمامه أبواب من المعرفة والاكتشاف لم تكن لتتوفر له لو أفنى العمر بحثا واجتهادا من أجل الوصول إليها. الأفكار المليونية تأتي فجأة وتأتي عشوائية والجهد لا يضمن نجاح المجتهد. وأنا وأنت سنتعثر في المستقبل بفكرة عظمى لم تخطر على بال أحد من قبل ستغير من حالنا وتخلد أسماءنا في صفحات التاريخ. حسنا لقد خدعوك.. فقالوا!
الحقيقة هي عدو القصة الأول. والدهشة التي تخلقها قصص الإلهام يكمن مصدرها ليس فيما تحكيه القصة بل فيما تختار أن تخفيه. فتصبح هذه القصص ذاكرة عامة منتزعة من سياقها! لحظة «الأها» لم تطرق باب أرخميدس ونيوتن وانيشتاين فجأة فأصبحوا بعدها علماء في الفيزياء بل جاءت بعد أن أفنوا سنوات من البحث والعمل في حل مشاكل مجالهم واكتشاف ألف طريق للفشل قبل الاهتداء إلى الصواب. انيشتاين على سبيل المثال أعلن للملأ فشله في حل لغز الزمن بعد أن استنفذ كل الحلول الممكنة لتعود الإجابة إليه وهو يطالع بشرود واكتئاب في برج ساعة مدينة بيرن. هاري بريرلي اكتشف بالصدفة الفولاذ المقاوم للصدأ، ولكن بعد أشهر طويلة من الفشل المتكرر في ابتكار بندقية تقاوم فوهتها عملية الاحتكاك مع الذخيرة. وتوماس أديسون الذي ابتكر المصباح الكهربائي المنزلي – أيقونة الإلهام في الفن الحديث – جرب كما يدعي ستة آلاف مادة مختلفة قبل أن يصل إلى مادة يضيء خيطها حين يمر عبره التيار الكهربائي دون أن يحترق مباشرة.
يعرف قاموس المعاني «الإلهام» بأنه ما يلقى في القلب والعقل من معان وأفكار. أما قاموس أكسفورد فيعرف الكلمة المقابلة للإلهام باللغة الإنجليزية “inspiration” بأنها العملية التي يصبح من خلالها الذهن متحفزا للقيام بفعل مبتكر. وبين هذين التعريفين يكمن كل الفرق بين تصورنا عن الإلهام وحقيقته. فالأبحاث التي أجريت لتحليل الرحلة التي يمر بها الذهن قبل أن يصرخ «وجدتها!» تدعم التعريف الأخير. عملية وليس صدفة. جهد ذهني وليس وحيا يهبط من السماء كصاعقة. والعامل المشترك بين رموز قصص الإلهام التي تجدها في كتب تنمية الذات أن إلهامهم لم يكن سوى الفكرة الوحيدة التي تبقت بعد أن جربوا كل سبيل ممكن للفشل. يقول المصور والفنان الأمريكي تشاك كلوز «الإلهام غير مهم على الإطلاق، بل إنه خادع أحيانا. قد تشعر أنك بحاجة إلى أن تجد فكرة عظيمة قبل أن تبدأ العمل، ولكنني نادرا ما أجد ذلك حالة واقعية. أفضل الأفكار تأتي من خلال العمل نفسه. إذا كنت تجلس الآن تحلم بفكرة عظيمة، فسيطول انتظارك قبل أن يحدث أي شيء. الإلهام للهواة، وأما ما يفعله بقيتنا فهو أننا نذهب إلى العمل!».
وحديث كلوز تدعمه الدراسات العلمية التي حاولت تفكيك مفهوم الإلهام فوجدت أن لحظة «الأها» تأتي في حالة استرخاء الذهن بعد تركيز كبير واتباع السبل التقليدية لحل مشكلة ما. أي إن العمل والجهد يسبقان الإلهام ولا يليانه. وربما تمثل لحظة «الأها» تفكيرا خارج الصندوق، ولكنها تستوجب معرفة شكل الصندوق وما بداخله أولا. وبالتالي فإن الإلهام يصبح عملية متوقعة كلما استمر الشخص في التجربة، لأن التجربة تقلص من عدد الحلول التي يمكن اتباعها قبل الوصول إلى حل مثالي وتزود الشخص بجملة من الاختصارات التي تسرع من قدرته على اكتشاف الأفكار السيئة مباشرة دون الاضطرار لتجربتها. وهذا المعنى هو روح المقولة المنسوبة لانيشتاين: «الجنون هو أن تكرر ذات الفعل وتتوقع نتائج مختلفة».. فالإلهام هو عملية البحث عن نتائج مختلفة عبر محاولة أفعال مختلفة. كما أن التجربة إن لم تخلق حلا مناسبا فهي تعيد تعريف المشكلة عبر تبسيطها وتقسيمها إلى جملة من المهام التي يمكن تنفيذها واحدة تلو الأخرى. وإعادة صياغة السؤال قد تكون أهم خطوة في سبيل معرفة الإجابة.
قد تعترض وتأتي بشواهد من عالمنا الحديث كمارك زوكوبيرغ الذي أسس فيس بوك في العشرين من عمره، و.. (يمكنك إكمال القائمة). هذه الشواهد حقيقية ولكنها الاستثناء وليست المتوقع، وفرصتك في أن تصبح الاستثناء..ضئيلة جدا جدا. الإحصاءات تشير إلى أن متوسط عمر رواد الأعمال الناجحين هو 40 سنة، وفرصة نجاح رائد أعمال في عمر الخمسين تبلغ ضعف فرصة نجاح نظيره في عمر الخامسة والعشرين. وفي المتوسط يحتاج رائد الأعمال إلى أربع محاولات فاشلة قبل أن يكتب لأفكاره النجاح.
يصف رائد الأعمال البليوني جاي سميث الإلهام بأنه: السرعة في الفشل.. فكلما فشلت برتم أسرع تعلمت بقدر أكبر.
هذه القصص وغيرها تروى دائما كشواهد على حالة الإلهام التي تصيب الشخص فجأة فتتفتح أمامه أبواب من المعرفة والاكتشاف لم تكن لتتوفر له لو أفنى العمر بحثا واجتهادا من أجل الوصول إليها. الأفكار المليونية تأتي فجأة وتأتي عشوائية والجهد لا يضمن نجاح المجتهد. وأنا وأنت سنتعثر في المستقبل بفكرة عظمى لم تخطر على بال أحد من قبل ستغير من حالنا وتخلد أسماءنا في صفحات التاريخ. حسنا لقد خدعوك.. فقالوا!
الحقيقة هي عدو القصة الأول. والدهشة التي تخلقها قصص الإلهام يكمن مصدرها ليس فيما تحكيه القصة بل فيما تختار أن تخفيه. فتصبح هذه القصص ذاكرة عامة منتزعة من سياقها! لحظة «الأها» لم تطرق باب أرخميدس ونيوتن وانيشتاين فجأة فأصبحوا بعدها علماء في الفيزياء بل جاءت بعد أن أفنوا سنوات من البحث والعمل في حل مشاكل مجالهم واكتشاف ألف طريق للفشل قبل الاهتداء إلى الصواب. انيشتاين على سبيل المثال أعلن للملأ فشله في حل لغز الزمن بعد أن استنفذ كل الحلول الممكنة لتعود الإجابة إليه وهو يطالع بشرود واكتئاب في برج ساعة مدينة بيرن. هاري بريرلي اكتشف بالصدفة الفولاذ المقاوم للصدأ، ولكن بعد أشهر طويلة من الفشل المتكرر في ابتكار بندقية تقاوم فوهتها عملية الاحتكاك مع الذخيرة. وتوماس أديسون الذي ابتكر المصباح الكهربائي المنزلي – أيقونة الإلهام في الفن الحديث – جرب كما يدعي ستة آلاف مادة مختلفة قبل أن يصل إلى مادة يضيء خيطها حين يمر عبره التيار الكهربائي دون أن يحترق مباشرة.
يعرف قاموس المعاني «الإلهام» بأنه ما يلقى في القلب والعقل من معان وأفكار. أما قاموس أكسفورد فيعرف الكلمة المقابلة للإلهام باللغة الإنجليزية “inspiration” بأنها العملية التي يصبح من خلالها الذهن متحفزا للقيام بفعل مبتكر. وبين هذين التعريفين يكمن كل الفرق بين تصورنا عن الإلهام وحقيقته. فالأبحاث التي أجريت لتحليل الرحلة التي يمر بها الذهن قبل أن يصرخ «وجدتها!» تدعم التعريف الأخير. عملية وليس صدفة. جهد ذهني وليس وحيا يهبط من السماء كصاعقة. والعامل المشترك بين رموز قصص الإلهام التي تجدها في كتب تنمية الذات أن إلهامهم لم يكن سوى الفكرة الوحيدة التي تبقت بعد أن جربوا كل سبيل ممكن للفشل. يقول المصور والفنان الأمريكي تشاك كلوز «الإلهام غير مهم على الإطلاق، بل إنه خادع أحيانا. قد تشعر أنك بحاجة إلى أن تجد فكرة عظيمة قبل أن تبدأ العمل، ولكنني نادرا ما أجد ذلك حالة واقعية. أفضل الأفكار تأتي من خلال العمل نفسه. إذا كنت تجلس الآن تحلم بفكرة عظيمة، فسيطول انتظارك قبل أن يحدث أي شيء. الإلهام للهواة، وأما ما يفعله بقيتنا فهو أننا نذهب إلى العمل!».
وحديث كلوز تدعمه الدراسات العلمية التي حاولت تفكيك مفهوم الإلهام فوجدت أن لحظة «الأها» تأتي في حالة استرخاء الذهن بعد تركيز كبير واتباع السبل التقليدية لحل مشكلة ما. أي إن العمل والجهد يسبقان الإلهام ولا يليانه. وربما تمثل لحظة «الأها» تفكيرا خارج الصندوق، ولكنها تستوجب معرفة شكل الصندوق وما بداخله أولا. وبالتالي فإن الإلهام يصبح عملية متوقعة كلما استمر الشخص في التجربة، لأن التجربة تقلص من عدد الحلول التي يمكن اتباعها قبل الوصول إلى حل مثالي وتزود الشخص بجملة من الاختصارات التي تسرع من قدرته على اكتشاف الأفكار السيئة مباشرة دون الاضطرار لتجربتها. وهذا المعنى هو روح المقولة المنسوبة لانيشتاين: «الجنون هو أن تكرر ذات الفعل وتتوقع نتائج مختلفة».. فالإلهام هو عملية البحث عن نتائج مختلفة عبر محاولة أفعال مختلفة. كما أن التجربة إن لم تخلق حلا مناسبا فهي تعيد تعريف المشكلة عبر تبسيطها وتقسيمها إلى جملة من المهام التي يمكن تنفيذها واحدة تلو الأخرى. وإعادة صياغة السؤال قد تكون أهم خطوة في سبيل معرفة الإجابة.
قد تعترض وتأتي بشواهد من عالمنا الحديث كمارك زوكوبيرغ الذي أسس فيس بوك في العشرين من عمره، و.. (يمكنك إكمال القائمة). هذه الشواهد حقيقية ولكنها الاستثناء وليست المتوقع، وفرصتك في أن تصبح الاستثناء..ضئيلة جدا جدا. الإحصاءات تشير إلى أن متوسط عمر رواد الأعمال الناجحين هو 40 سنة، وفرصة نجاح رائد أعمال في عمر الخمسين تبلغ ضعف فرصة نجاح نظيره في عمر الخامسة والعشرين. وفي المتوسط يحتاج رائد الأعمال إلى أربع محاولات فاشلة قبل أن يكتب لأفكاره النجاح.
يصف رائد الأعمال البليوني جاي سميث الإلهام بأنه: السرعة في الفشل.. فكلما فشلت برتم أسرع تعلمت بقدر أكبر.