من القيم إلى الشخصية.. وما الذي فقدناه في الطريق
الاثنين - 09 مايو 2016
Mon - 09 May 2016
كل زمن له خاصية تميزه. هكذا قرر علماء الاجتماع. وهذه الخاصية تكون غالبة على طبائع الناس، تعكس اهتماماتهم وتمثل هويتهم. لن أتحدث هنا عن فكرة اختلاف جيل الأبناء عن جيل الآباء، واختلاف هذا الأخير عن جيل الأجداد والذي هو حديث المجالس عادة، فالذي أعتقده أن هذا أمر طبيعي عبر الأجيال، حتى إن سقراط الذي عاش عام 400 قبل الميلاد قال: الأطفال الآن يفتقدون للآدب، ويظهرون العصيان والتمرد على الأوامر ولا يظهرون الاحترام والتقدير لمن يكبرهم». ولكن حديثي هنا هو عما حددته ووثقته دراسات علم الاجتماع.
الذي قرره علماء الاجتماع هو أن الذي كان يميز القرون السابقة إلى الخمسينات من القرن الماضي هو «القيم والأخلاق»، أما الذي يميز القرن الحالي فهو أمر مغاير تماما، وهو «الشخصية». كلمة شخصية جديدة نسبيا في قاموس اللغة الإنجليزية وتعود تقريبا إلى 200 عام. من الأمثلة التي أوردها العلماء للاستشهاد بخاصية القرن السابق وأهمية الأخلاق والقيم فيها مثال بائعة البقالة التي تعطي الفقير الذي يجلس على باب المتجر جزءا مما جنته من مال ذلك اليوم، وتحرص على أن لا يراها أحد، فمع خاصية الإيثار هناك تواضع ومراعاة لمشاعر الفقير. ومثال آخر عن محام يرفض أن يشتري مكتب محام آخر يعمل بجواره والذي اضطر إلى أن يبيع مكتبه، وذلك أدبا معه وحتى لا يظهر أنه يستغل ظرفه، فهذا يخالف صفة المروءة والشهامة. هذه القصة حصلت في مدينة نيويورك، مركز الرأسمالية العالمية اليوم، وفي مهنة تعتبر اليوم من أكثرها طمعا واستغلالا.
هكذا كانوا، وهكذا كنا وأكثر، لكن هذا تغير من سبعينات القرن الماضي حين بدأ استبدال القيم بعوامل أخرى أعطوها أوصافا وكلمات متعددة، لكن في النهاية كلها تصب في وصف «الشخصية». ومن الدلائل على ذلك ما يملأ قنواتنا وإذاعاتنا من «شخصيات» فنية كانت أو إعلامية أو غيرها ممن لم يقدموا شيئا للنهضة بهذا المجتمع. ومثالا على قوة تأثيرهم فإنه ما من بيت من بيوتنا إلا وبعض أفراده أو كلهم يعرف بالتفصيل عن محكمي مسابقة «ذا فويس»، تاريخهم، أعمالهم وجزء من حياتهم الاجتماعية، وربما في المبنى المجاور لهم عالم في تخصصه سيخلد التاريخ ذكراه بإنجازاته، ويمر أمامهم ولا يعرفون له اسما فضلا عن سيرة وإنجازات، فهؤلاء لا مكان لهم في إعلام «الشخصيات».
وعلى مستوى الإدارات والمؤسسات ترى صاحب القرار يقدم صاحب النكتة على صاحب الحكمة، ومن يضفي جوا من الحيوية على الاجتماعات «ويمشيها» فضلا عن من يثريها. فما الذي نرجوه عندما تكون أمور الناس في أيدي هؤلاء من ناحية وقدوة أبنائهم ممن يملؤون القنوات والإذاعات «شخصيات» لم تقدم خيرا كأقل ما يمكن أن يذكر من ناحية أخرى.
تقديم الشخصية على القيم والأخلاق هو أحد أسباب التأخر والضعف الذي نعيش فيه، ومقالة أخرى تلخص ما الذي فقدناه بالانتقال من القيم إلى الشخصية هي مقالة أحلام مستغانمي «دافعوا عن وطن هيفاء وهبي». أيضا سوزان كاين الكاتبة الأمريكية ومؤلفة أحد الكتب الأكثر مبيعا في العالم ذكرت «أن التركيز على الشخصية أدى إلى ضياع الكثير من الخير والمعاني الجميلة في المجتمع».
هذه ظاهرة عالمية ولا ندعو إلى تغيير جذري في المجتمع، وإنما الوعي به وبأثره، على مستوى الإعلاميين أولا بألا يملؤوا قنواتنا وإذاعاتنا بالغث والسطحي لمجرد كونه «كووول» أو ذا «كاريزما» أو حتى «أنا والعسل». وعلى مستوى المسؤولين بتقديم أهل الرؤية العميقة للأمور والثقافة الحقيقية ممن يملكون الرأي والحكمة وليس الظرف والخفة، وتقديم من يحترمونه وليس من يستظرفهم ويستظرفونه.
وأختم بكلمات الكاتب والمفكر رائد السمهوري «كل عمل إصلاحي لا يجعل الأخلاق أساسه فهو خداج» بل ويشرح ويوضح الفرق الجوهري بين الشخصية والأخلاق: «علينا أن نفرق بين الطبائع الشخصية والأخلاق، فقد تجد حديد الطبع أمينا نزيها وفيا صدوقا، وتجد رقيق الطبع غادرا لئيما كذوبا خؤونا».
الذي قرره علماء الاجتماع هو أن الذي كان يميز القرون السابقة إلى الخمسينات من القرن الماضي هو «القيم والأخلاق»، أما الذي يميز القرن الحالي فهو أمر مغاير تماما، وهو «الشخصية». كلمة شخصية جديدة نسبيا في قاموس اللغة الإنجليزية وتعود تقريبا إلى 200 عام. من الأمثلة التي أوردها العلماء للاستشهاد بخاصية القرن السابق وأهمية الأخلاق والقيم فيها مثال بائعة البقالة التي تعطي الفقير الذي يجلس على باب المتجر جزءا مما جنته من مال ذلك اليوم، وتحرص على أن لا يراها أحد، فمع خاصية الإيثار هناك تواضع ومراعاة لمشاعر الفقير. ومثال آخر عن محام يرفض أن يشتري مكتب محام آخر يعمل بجواره والذي اضطر إلى أن يبيع مكتبه، وذلك أدبا معه وحتى لا يظهر أنه يستغل ظرفه، فهذا يخالف صفة المروءة والشهامة. هذه القصة حصلت في مدينة نيويورك، مركز الرأسمالية العالمية اليوم، وفي مهنة تعتبر اليوم من أكثرها طمعا واستغلالا.
هكذا كانوا، وهكذا كنا وأكثر، لكن هذا تغير من سبعينات القرن الماضي حين بدأ استبدال القيم بعوامل أخرى أعطوها أوصافا وكلمات متعددة، لكن في النهاية كلها تصب في وصف «الشخصية». ومن الدلائل على ذلك ما يملأ قنواتنا وإذاعاتنا من «شخصيات» فنية كانت أو إعلامية أو غيرها ممن لم يقدموا شيئا للنهضة بهذا المجتمع. ومثالا على قوة تأثيرهم فإنه ما من بيت من بيوتنا إلا وبعض أفراده أو كلهم يعرف بالتفصيل عن محكمي مسابقة «ذا فويس»، تاريخهم، أعمالهم وجزء من حياتهم الاجتماعية، وربما في المبنى المجاور لهم عالم في تخصصه سيخلد التاريخ ذكراه بإنجازاته، ويمر أمامهم ولا يعرفون له اسما فضلا عن سيرة وإنجازات، فهؤلاء لا مكان لهم في إعلام «الشخصيات».
وعلى مستوى الإدارات والمؤسسات ترى صاحب القرار يقدم صاحب النكتة على صاحب الحكمة، ومن يضفي جوا من الحيوية على الاجتماعات «ويمشيها» فضلا عن من يثريها. فما الذي نرجوه عندما تكون أمور الناس في أيدي هؤلاء من ناحية وقدوة أبنائهم ممن يملؤون القنوات والإذاعات «شخصيات» لم تقدم خيرا كأقل ما يمكن أن يذكر من ناحية أخرى.
تقديم الشخصية على القيم والأخلاق هو أحد أسباب التأخر والضعف الذي نعيش فيه، ومقالة أخرى تلخص ما الذي فقدناه بالانتقال من القيم إلى الشخصية هي مقالة أحلام مستغانمي «دافعوا عن وطن هيفاء وهبي». أيضا سوزان كاين الكاتبة الأمريكية ومؤلفة أحد الكتب الأكثر مبيعا في العالم ذكرت «أن التركيز على الشخصية أدى إلى ضياع الكثير من الخير والمعاني الجميلة في المجتمع».
هذه ظاهرة عالمية ولا ندعو إلى تغيير جذري في المجتمع، وإنما الوعي به وبأثره، على مستوى الإعلاميين أولا بألا يملؤوا قنواتنا وإذاعاتنا بالغث والسطحي لمجرد كونه «كووول» أو ذا «كاريزما» أو حتى «أنا والعسل». وعلى مستوى المسؤولين بتقديم أهل الرؤية العميقة للأمور والثقافة الحقيقية ممن يملكون الرأي والحكمة وليس الظرف والخفة، وتقديم من يحترمونه وليس من يستظرفهم ويستظرفونه.
وأختم بكلمات الكاتب والمفكر رائد السمهوري «كل عمل إصلاحي لا يجعل الأخلاق أساسه فهو خداج» بل ويشرح ويوضح الفرق الجوهري بين الشخصية والأخلاق: «علينا أن نفرق بين الطبائع الشخصية والأخلاق، فقد تجد حديد الطبع أمينا نزيها وفيا صدوقا، وتجد رقيق الطبع غادرا لئيما كذوبا خؤونا».