مفلح زابن القحطاني

الثقافة.. والفزعة غير الثقافية

الجمعة - 06 مايو 2016

Fri - 06 May 2016

كان المتوقع والمنتظر والمؤمل لدى أغلب المتابعين والمهتمين في الوسط الثقافي في المملكة العربية السعودية أن ما شهدته انتخابات أعضاء مجالس إدارات الأندية الأدبية في الدورة الماضية من لغط وما نتج عنها من تأثير على المشهد الثقافي ستتمخض عنه رؤية جديدة وآلية مناسبة في انتخاب أو تعيين أعضاء مجالس إدارات هذه المؤسسات على النحو الذي يضمن عدم تكرار هذا اللغط والحد من آثاره على المشهد الثقافي التي لا ينكرها أحد والتي أدت إلى تعطيل العمل الثقافي في عدد من الأندية الأدبية في المملكة.

وكنت أتوقع شخصيًّا أن نصف أعضاء مجالس إدارات الأندية الأدبية في المرحلة المقبلة سيكون بالتعيين والبقية بالانتخاب، وهو أمر ربما كان سيحدث قدرًا جيدًا من التوازن، ويسهم في استقرار العمل الثقافي والإداري في هذه المؤسسات، ولكن اللائحة الجديدة جاءت لتقر الانتخاب طريقة لاختيار أعضاء مجالس إدارات هذه المؤسسات، مما يعني أن السيناريو قد يتكرر وأن المشكلة قد تستمر.

وقد جاءت النتيجة كما هو المتوقع على الرغم من أننا ما زلنا في مرحلة تسجيل أعضاء الجمعيات العمومية في هذه الأندية؛ وفي هذا السياق نقلت صحيفة الوطن خبرًا عنوانه «فزعة قبلية تستدعي 650 للتسجيل بعمومية ناد أدبي»، ويتضمن الخبر أن نادي الحدود الشمالية الأدبي شهد خلال الأيام الماضية تسجيل ستمائة وخمسين شخصًا ممن تنطبق عليهم الشروط التي أقرتها اللائحة الجديدة مقابل مائتين وثلاثة وستين شخصًا في الدورة الماضية، وذكر نائب رئيس النادي للصحيفة حقيقة مرة ومؤلمة وصادمة وهي أن «معظم المسجلين لم يحرصوا على النادي ولا على الثقافة والأدب، بل سجلوا من أجل التصويت لأناس معينين».

إن دخول الاعتبارات القبلية والمناطقية والمذهبية وغيرها من الاعتبارات غير الثقافية في مثل هذه الانتخابات يعطي دلالة واضحة حول المشهد الثقافي، وتبدأ هذه الدلالة بتأكيد وجود خلل في المثقف نفسه؛ إذ كيف يمكن أن يسمح مثقف حقيقي وواع بوجود مثل هذا الاحتشاد الذي لا يجسد الثقافة والوعي ولا ينم إلا عن درجة مؤسفة من الانعتاق في الجهل.

وإذا ما عدنا إلى الانتخابات الماضية وبغض النظر عن الطعون التي وجهت إليها وانتهى بعضها بأحكام شرعية، وجدنا أن هناك أسماء لا تمت إلى الثقافة بصلة، وليس لديها مقومات ثقافية أو فكرية أو إدارية توازي ما يتطلبه عضو مجلس إدارة النادي من ثقافة ووعي، ولكن هذه الأسماء استطاعت أن تصل، ولم تكتف بذلك، بل لربما أقصت الفاعلين وخلقت أجواء من الصدام.

الثقافة هوية الشعوب وقيمة ينبغي أن تكون في إطارها الصحيح، ويجب أن تكون فوق كل اعتبار، وهذه الممارسات التي لا تتفق وما يجب أن يكون عليه المثقف الحقيقي تضع الوزارة أمام صورة واضحة للمشهد، وهي حالة تستوجب التدخل وتستحق المعالجة، ولا أقل -في نظري- من أن يكون نصف أعضاء هذه المجالس بالتعيين.