الحاكمية وشرعية الدولة دينيا
الأربعاء - 04 مايو 2016
Wed - 04 May 2016
من أهم القضايا التي شغلت الخطاب الإسلامي المعاصر، وأصبحت من بنيات الفكر الحركي قضية الحاكمية، والإشكال ليس في الكلام عن وجوب الحكم بما أنزل الله، فهذا مما أجمع عليه فقهاء الإسلام قاطبة من دون خلاف، لكن الإشكال في تحويل هذا الحكم الشرعي إلى عقيدة مفاصلة بين الإيمان والكفر، ثم جعلها معيارا على إسلامية الدولة، وأول من نظر لها في العصر الحديث أبو الأعلى المودودي، وكان واقعا تحت ضغط مجتمع مختلط من مسلمين وهندوس، فطرح قضية الحاكمية للتمييز الجذري بين المسلمين وغيرهم، ثم تلقف الفكرة سيد قطب، وسار بها إلى نهاية الشوط، وحكم على المجتمعات الإسلامية بالجاهلية بسبب فقدان الحاكمية، فهو يقول «لقد ارتدت البشرية، ونكصت عن (لا إله إلا الله)، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن: لا إله إلا الله دون أن يدرك مدلولها، ودون أن يرفض شرعية الحاكمية التي يدعيها العباد لأنفسهم، سواء ادعوها كأفراد أو كتشكيلات تشريعية أو كشعوب»، ومن فكر سيد قطب تبنى الفكر الحركي الإسلامي قضية الحاكمية، وأصبحت هي السلاح الذي تشهره الحركات الإسلامية في وجوه الأنظمة التي تعارضها، وبناء على أن (الحاكمية) فيصل بين الكفر والإيمان، فإن من لوازمها تكفير الأنظمة التي لا تحكم بشرع الله، واستحلال دماء زعماء الأنظمة، وكبار مسؤوليها، وقضاتها الذين
لا يحكمون بشرع الله، وتكفير نواب برلماناتها الذي يقسمون على احترام الدستور الكفري، وغير ذلك من اللوازم، وأصبحت شرعية الدولة في ذهن الإسلامي الحركي مرتبطة بقضية الحاكمية دون أي اعتبار آخر من وظائف الدولة التي بها تتحقق شرعيتها كالعدل، وحفظ الكرامة، وتوفير الحرية والأمن، وهو ما أسميه بـ(شرعية الإنجاز) الذي هو بحق يحقق شرعيتها في نظر الشعوب كافة بعيدا عن تنظيرات الحركية الإسلامية، والمفارقة أن فهم الحركية الإسلامية المعاصرة لشرعية الدولة لم يكن مطروحا في التراث الإسلامي، فالآيات التي يحتج بها المعاصرون على كفر ترك تحكيم الشرعية كقوله تعالى: «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون»، سئل عنها ابن عباس فقال: هي كفر دون كفر، أي هي كبيرة من الكبائر، وقال ابن العربي «قال طاوس وغيره: ليس بكفر ينقل عن الملة، ولكنه كفر دون كفر. وهذا يختلف إن حكم بما عنده على أنه من عند الله، فهو تبديل له يوجب الكفر، وإن حكم به هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين» ومؤدى هذا كله أن قضية الحاكمية كلها في نطاق المعصية، وليست من مسائل الكفر والإيمان.
وتكمن شرعية الدولة الدينية في إقامة شعائر الدين الظاهرة، ولهذا ورد في الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم- «شرار أئمتكم الذين تبغضونهم، ويبغضونكم، وتلعنونهم، ويلعنونكم. قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟، فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة»، فلم يجعل الفيصل ترك تحكيم الشريعة، بل جعل الفيصل هنا إقامة شعيرة الصلاة، أي إقامة شعائر الإسلام الظاهرة التي بها يعرف أنه مسلم.
وأحسب أن من أعظم مسببات التطرف والعنف والتكفير في واقعنا العربي هو التشوه الذي حدث في مفهوم (الحاكمية)، وربط شرعية الدولة بها، فهذا الربط يفضي ضرورة من خلال لوازمه إلى تعميم الكفر على أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويتعدى الأمر إلى أجهزتها الأمنية من جيش وشرطة باعتبارها حامية للسلطة الكفرية، ويتعاظم الخطر إذا علمنا أن التكفير لا يكتفي بتكفير ترك تحكيم الشريعة كاملة، بل الأمر يتعدى ذلك إلى تكفيرها بمجرد ترك حكم واحد بناء على أن هذا من باب الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه كما في أدبيات الحركية الإسلامية. وكل محاولة للقضاء على التطرف والتكفير دون إعادة النظر في هذا المفهوم تظل قاصرة، فهو أهم أساس فكري من أسس التنظير للتكفير.
[email protected]
لا يحكمون بشرع الله، وتكفير نواب برلماناتها الذي يقسمون على احترام الدستور الكفري، وغير ذلك من اللوازم، وأصبحت شرعية الدولة في ذهن الإسلامي الحركي مرتبطة بقضية الحاكمية دون أي اعتبار آخر من وظائف الدولة التي بها تتحقق شرعيتها كالعدل، وحفظ الكرامة، وتوفير الحرية والأمن، وهو ما أسميه بـ(شرعية الإنجاز) الذي هو بحق يحقق شرعيتها في نظر الشعوب كافة بعيدا عن تنظيرات الحركية الإسلامية، والمفارقة أن فهم الحركية الإسلامية المعاصرة لشرعية الدولة لم يكن مطروحا في التراث الإسلامي، فالآيات التي يحتج بها المعاصرون على كفر ترك تحكيم الشرعية كقوله تعالى: «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون»، سئل عنها ابن عباس فقال: هي كفر دون كفر، أي هي كبيرة من الكبائر، وقال ابن العربي «قال طاوس وغيره: ليس بكفر ينقل عن الملة، ولكنه كفر دون كفر. وهذا يختلف إن حكم بما عنده على أنه من عند الله، فهو تبديل له يوجب الكفر، وإن حكم به هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين» ومؤدى هذا كله أن قضية الحاكمية كلها في نطاق المعصية، وليست من مسائل الكفر والإيمان.
وتكمن شرعية الدولة الدينية في إقامة شعائر الدين الظاهرة، ولهذا ورد في الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم- «شرار أئمتكم الذين تبغضونهم، ويبغضونكم، وتلعنونهم، ويلعنونكم. قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟، فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة»، فلم يجعل الفيصل ترك تحكيم الشريعة، بل جعل الفيصل هنا إقامة شعيرة الصلاة، أي إقامة شعائر الإسلام الظاهرة التي بها يعرف أنه مسلم.
وأحسب أن من أعظم مسببات التطرف والعنف والتكفير في واقعنا العربي هو التشوه الذي حدث في مفهوم (الحاكمية)، وربط شرعية الدولة بها، فهذا الربط يفضي ضرورة من خلال لوازمه إلى تعميم الكفر على أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويتعدى الأمر إلى أجهزتها الأمنية من جيش وشرطة باعتبارها حامية للسلطة الكفرية، ويتعاظم الخطر إذا علمنا أن التكفير لا يكتفي بتكفير ترك تحكيم الشريعة كاملة، بل الأمر يتعدى ذلك إلى تكفيرها بمجرد ترك حكم واحد بناء على أن هذا من باب الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه كما في أدبيات الحركية الإسلامية. وكل محاولة للقضاء على التطرف والتكفير دون إعادة النظر في هذا المفهوم تظل قاصرة، فهو أهم أساس فكري من أسس التنظير للتكفير.
[email protected]