ما بقي في العالم من جمال
دبس الرمان
دبس الرمان
الأربعاء - 04 مايو 2016
Wed - 04 May 2016
زارتني قبل أيام صديقتي السورية الجنسية، السعودية المولد والنشأة والسليقة. جاءت زيارتها بعد انقطاع السنة والنصف التي قضتها في السويد التي قررت الهجرة إليها بعد أن تم إعفاء زوجها من منصبه، وبعد عجزها عن الاندراج رسميا بوظيفة، والذي جعلها تنظر لبناتها وتدرك أنه لا مستقبل لها ولعائلتها في هذه البلاد، فهاجرت بعد عناء للسويد. جلست أمامي وكوب القهوة يتصاعد منه الدخان، سألتها بفضول كيف الحياة هناك، لترد بابتسامة بأن الحياة جميلة وبأن السويديين إنسانيون لأقصى حد، وأن قوانين الهجرة واضحة، وأنه يتم الاهتمام ببناتها بقمة الحرص والإنسانية، وأنها تعمل الآن نظاميا لمدة ستة أشهر كمصممة مع إحدى الجهات مجانا مقابل إعطائها شهادة خبرة تستطيع بعدها التقديم للعمل في جهة أخرى أو نفس الجهة بطريقة رسمية مدفوعة. طبعا في خلال هذا الوقت تستمر الحكومة في إعطائهم الإعانة وتعليمهم اللغة حتى تستقر أوضاعهم ويتم رسميا إثبات انتظامها وزوجها في عمل رسمي.
حسنا، نواجه موسما جديدا من الأخبار المؤلمة، والمناظر المخزية للإنسانية، وتعترينا مشاعر غامرة بالعجز والتقاعس ونحن جميعا نراقب بقعة أخرى في هذا العالم تذروها رياح القوى السياسية، ويفتك بأرواحها تعارض المصالح الأيديولوجية. وبدأت صور حسابات التواصل الاجتماعي تتغير إلى عبارات الشجب وصور الدعم على أمل أن يلتفت المجتمع الدولي إلى هذه المأساة فيوقفها. وفي داخلنا جميعا نعلم حقيقة أن الموضوع أكبر من ذلك بكثير، وأنه يتجاوزنا بكثير، وأن تفاعلنا مع كثرة المآسي وتلاحقها أصبح أهدأ، وحدة غضبنا وعزمنا على الشجب والهتاف أخفت، وأننا كعالم عربي وإسلامي دخلنا مرحلة الاعتياد. نعم لقد اعتدنا المآسي، فماذا بعد؟
أكثر ما أشعرني بالخجل والانبهار أن صديقتي كانت تتحدث بكل هدوء، بكل تقبل، بكل رباطة جأش عن التغييرات الجذرية التي طرأت في حياتها كما الإعصار. عن عدم معرفتها لمن تنتمي ولماذا تنتمي. عن الصراع ما بين قلبها الذي يخبرها أنها تنتمي عرقا، ونشأة لهذا الجزء من العالم، وعن عقلها الذي يخبرها أن ولاءها وانتماءها للمكان الذي احتواها واحتوى إنسانيتها والذي في حال الاحتياج ستذود هي وأولادها عنه بكل قوتها. قالت كل هذا وأكثر ولم تفارق الابتسامة والضحكة وجهها، قالت كل ذلك والمزيد عن حيرتها وإحساسها بالضياع وعقلها لا يتوقف عن استعراض الحلول والمخارج، قالت كل ذلك ثم التفتت إلي وقالت بكل جدية «ها قوليلي شو عندك شغل جديد ساويلك إيا».
[email protected]
حسنا، نواجه موسما جديدا من الأخبار المؤلمة، والمناظر المخزية للإنسانية، وتعترينا مشاعر غامرة بالعجز والتقاعس ونحن جميعا نراقب بقعة أخرى في هذا العالم تذروها رياح القوى السياسية، ويفتك بأرواحها تعارض المصالح الأيديولوجية. وبدأت صور حسابات التواصل الاجتماعي تتغير إلى عبارات الشجب وصور الدعم على أمل أن يلتفت المجتمع الدولي إلى هذه المأساة فيوقفها. وفي داخلنا جميعا نعلم حقيقة أن الموضوع أكبر من ذلك بكثير، وأنه يتجاوزنا بكثير، وأن تفاعلنا مع كثرة المآسي وتلاحقها أصبح أهدأ، وحدة غضبنا وعزمنا على الشجب والهتاف أخفت، وأننا كعالم عربي وإسلامي دخلنا مرحلة الاعتياد. نعم لقد اعتدنا المآسي، فماذا بعد؟
أكثر ما أشعرني بالخجل والانبهار أن صديقتي كانت تتحدث بكل هدوء، بكل تقبل، بكل رباطة جأش عن التغييرات الجذرية التي طرأت في حياتها كما الإعصار. عن عدم معرفتها لمن تنتمي ولماذا تنتمي. عن الصراع ما بين قلبها الذي يخبرها أنها تنتمي عرقا، ونشأة لهذا الجزء من العالم، وعن عقلها الذي يخبرها أن ولاءها وانتماءها للمكان الذي احتواها واحتوى إنسانيتها والذي في حال الاحتياج ستذود هي وأولادها عنه بكل قوتها. قالت كل هذا وأكثر ولم تفارق الابتسامة والضحكة وجهها، قالت كل ذلك والمزيد عن حيرتها وإحساسها بالضياع وعقلها لا يتوقف عن استعراض الحلول والمخارج، قالت كل ذلك ثم التفتت إلي وقالت بكل جدية «ها قوليلي شو عندك شغل جديد ساويلك إيا».
[email protected]