عبدالعزيز الخضر

قراءة أولى.. في رؤية 2030

الاحد - 01 مايو 2016

Sun - 01 May 2016

من الآن ولسنوات عديدة ستصبح هذه الرؤية وثيقة مرجعية، تحدد الكثير من ملامح المرحلة الاقتصادية القادمة، وما يتصل بها من جوانب اجتماعية، لتؤطر حوارات السعوديين حول محتوى هذه الرؤية، وتوجه كل قطاعات الدولة والقطاع الخاص إلى مسار عام نحو المستقبل، وستتعدد القراءات لها مع مرور الوقت.

الزخم الإعلامي في الأيام الماضية مع مواقع التواصل أربك البعض في طريقة استقبال الرؤية بهدوء وعقلانية، مع صعود توقعات في المخيلة التويترية خارج نطاقها المتوقع، مما أحدث تشويشا على بعض الانطباعات.

تتأثر عادة الانطباعات الشخصية وفقا لاهتمامات وأولويات كل فرد، فإذا جلست مع أصحاب الأعمال والطموحات التجارية فأولوية القراءة عندهم بالتركيز على فهم اتجاه المال والأعمال والنشاط التجاري في هذه المرحلة، وإذا التقيت بالمثقف أو الإصلاحي فستجد أن أولوياته وبحثه في الرؤية حول مدى حضور الأهم لديه، مقابل ذلك ما يشغل بال الناشط الديني والدعوي والذهنية المحافظة عادة.. هو أن لا تمس ثوابت في شكل حياة المجتمع التي ترسخت في المرحلة النفطية، فهي السعودية التي يشعر بأن دوره التاريخي المحافظة عليها، مهما تغيرت الظروف وشكل التحديات والأجيال.

يمكن اعتبار مشروع «رؤية السعودية 2030» أبرز وأهم إنجازات «مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية» خلال سنة وعدة أشهر، وهي بداية تحقيق ما أشارت إليه الرؤية تحت عنوان دعم المرونة «إن إلغاء المجالس العليا في الدولة وتأسيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية رفع من الفاعلية والكفاءة وسرعة اتخاذ القرار وسنستمر في هذا الاتجاه..».

عايشت أغلب خطط التنمية ومتابعة لتفاصيلها في الإعلام وعملا بجهات حكومية، فما هي الانطباعات الأولية التي أشعر بها وأنا أقرأ هذه الرؤية؟ من الأفضل أن لا تقارنها برؤى أخرى في دول لها ظروف مختلفة، وإنما نستحضر سؤالا أوليا: هل هناك فارق بينها وبين الخطط الخمسية السابقة؟ مع زخم الأسبوع الماضي فقد كثيرون القدرة على التركيز بما هو المشترك والمختلف، وهو بالفعل موجود في بعض الجوانب، ويستحق الإشارة إليه واستحضاره كتحول في هذا المجال بعيدا عن الضجيج المدائحي العام.

نجد في الرؤية اختلافا واضحا في محتواها وصياغتها عن خطط التنمية الماضية التي تتسم عادة بالاقتضاب، وشبه التكرار النمطي مع تغيرات محدودة في بعض الجوانب وفقا لهموم كل مرحلة تاريخية، لكن هاجس التحرر من الاعتماد على النفط كان حاضرا مبكرا، وقد كتب عنه الكثيرون منذ عقود، فما الذي تغير هنا!؟

تميزت هذه الرؤية بصفحاتها الأربعين بأنها تتضمن رؤية نقدية لبعض أخطاء الماضي ومحاولة استدراكه ومحددة كما في موضوع موقع السوق المالي، وهو أسلوب مختلف في الخطاب الرسمي ويساعد على بناء تراكم في الوعي حول مشكلات محددة، وبالرغم من أن العمود الفقري للرؤية هو الاقتصاد بحكم اختصاص المجلس، وحضور هاجس التحرر من النفط ولو جزئيا، فإن المحتوى كان فيه تفاصيل كثيرة ومحددة ويمكن قياسها بأرقام في المستقبل القريب، وتختلف عن صياغة خطط التنمية المعتادة.

هناك تحديد في قضايا كثيرة وهي ستكون معيارا لرؤية الفارق بين الطموحات المكتوبة وبين ما سيتحقق مستقبلا، ومعرفة أسباب النجاح أو الإخفاق. ولهذا يسبق كل فقرة بالرؤية عنوان «من التزاماتنا..» باللون الأحمر.

هناك إشارات محددة في مجال الثقافة والترفيه والشأن الصحي، وهناك أهداف رقمية متعددة، كتصنيف 3 مدن سعودية بين أفضل 100 مدينة بالعالم، ورفع إنفاق الأسر على الثقافة والترفيه من 2،9 إلى 6 بالمئة. ورفع تصنيف الجامعات ومتوسط العمر. أرامكو حاضرة بقوة في هذه الرؤية وتعتمد عليها لتحويلها من شركة لإنتاج النفط إلى عملاق صناعي في العالم، وتحويل صندوق الاستثمارات العامة إلى أكبر صندوق عالمي برفع قيمة أصوله من 600 مليار إلى ما يزيد عن 7 تريليونات ريال، ورفع حجم اقتصادنا من المرتبة 19 إلى المراتب الـ 15 الأولى في العالم. كل هذه أرقام وغيرها تساعد على قياس الأداء، وفي آخر الرؤية هناك عنوان ضروري وسؤال: «كيف نحقق رؤيتنا» ويعتمد على عدة محاور، برنامج إعادة هيكلة الحكومة- برنامج تحقيق التوازن المالي- برنامج إدارة المشروعات- برنامج مراجعة الأنظمة- برنامج قياس الأداء- برنامج التحول الوطني- برنامج التوسع في التخصيص وغيرها.

كان جزءا من أخطاء الماضي هو عدم وجود تفاصيل منشورة لخطط المستقبل في المجال الاقتصادي، واللجوء إلى عناوين شديدة العمومية، وهذا يبدو اليوم تقدما مقارنة بما سبق.

المجال الاقتصادي ومسائل التنمية لا علاقة لها بحكاية التفاؤل والتشاؤم، ما يهم هو اختيار الأسماء الأكثر مصداقية وأمانة وكفاءة بعيدا عن دوائر الشلل والترزز الإعلامي وفي مواقع التواصل، حيث ينتهي دورهم العملي بالفلاشات فقط. هناك جوانب كثيرة تستحق العرض والمناقشة تحتاج مساحة أكبر. إن أهم مشكلة تواجه خبراء الاقتصاد هي القدرة على التنبؤ بصواب القرار أو عدمه وهو ما كشفته تجربة اقتصاديات دول كبرى «في علم الاقتصاد، لا يمكننا أن نجري تجارب حقيقية، لا يمكننا إعادة التاريخ، لذلك لا يمكننا أن نثق كثيرا باستنتاجاتنا...» جوزيف ستيجليتز.

[email protected]