شوكة وملعقة وعضو مجلس شورى!
الأحد - 01 مايو 2016
Sun - 01 May 2016
انتشرت قديما بالحجاز مساكن تسمى “الصنادق” وهي بيوت معدة من صفائح معدنية كانت في الأصل تحوي بعض المواد الاستهلاكية الضرورية كالزيت أو الجبن، وبرع بعض الحرفيين في صناعة هذا النوع وكانوا يستغلون بعض المهارات المتعلقة بتناسق نوعيات الصفائح مع بعضها البعض ليكون شكل “الصندقة” جميلا جذابا من خلال تجميع أكبر قدر من صفائح تلك المواد وفكها لتضحي شكلا مربعا يسهل تقطيعه ولصقه بمسامير مع مربعات أخرى.
استخدم الفقراء هذه الطريقة كما كنت أشاهد وأنا صغير في تجمعات بالمدينة المنورة ومكة المكرمة يقطنها مساكين، ومن الطبيعي أنه بداخل تلك الأحياء تنشط الأعمال الحرفية التي يحتاجها هؤلاء، ومنها بناء “الصنادق” على هذا المنوال مستخدمين ما يلقيه الأغنياء بعد أن يفرغوا ما في بطون الصفيحة في بطونهم غير مكترثين بآنية لم يعد لها نفع عندهم.
ما يعتبره شخص نفاية يعتبره جوْعى العالم كنوزا في الأرض، وما يظنه المرفهون زائدا عن الحاجة يعتبره فاقدو الأمل فرصة، ومن العلب الفارغة التي يستهلكها الناس بشكل مهول في هذا العصر يستطيع من أوتي تفكيرا سليما ويدا “تلف في حرير” أن يصنع جدرا لبيت يحميه من العراء وسقفا لحجْرة تشعره بالأمان .
قلت لنفسي كيف يحلو السكن في منازل كهذه تفرض على ساكنيها عدم نسيان جوعهم وهم يسكنون بيوت الصفيح المجمع من أواني الزيت والسمن الكبيرة في يوميات يذكرهم زيت خاص في ذلك الحين يسمى “زيت الشوكة والملعقة” لما يظهر على صفيحته من صورة لشوكة وملعقة متقاطعتين كأنهما دعاية لالتهام ألذ الطبخات المستخدم فيها زيت لا محالة .
لكن علامة الجودة “شوكة وملعقة” الأكثر شيوعا في عالم بناء “الصنادق” فرضت الأمر، واستفادت الشركة المصنعة لهذا النوع من الزيت فائدة لم تكن تتوقعها على أثر تصرف هؤلاء الفقراء العفوي، وربما يكون استمرار إنتاج الزيت للأغنياء والصفائح للفقراء معادلة عجز عنها رعاة الاقتصاد اليوم، وكم كان صبر الرجل في انتظاره لأن تجهز “صندقته” بعد أن يقضي أياما وشهورا في تجميع أكبر قدر من الصفائح .
الجيد في الأمر أن صانعي “الصنادق” السكنية كانوا يجعلون وجه الصفائح التي عليها كتابات الشركة الصانعة وشعاراتها للخارج ويجعلون الوجه الخالي من أي كتابة للداخل، معتبرين بأن تلك الجهة التي كانت تلامس الغذاء وتحفظه من التلف هي الأصلح لأن تحفظ أبدانهم من الحر والقر، ومن يمر ببيوتهم ويرى ذلك التجمهر من العلامات التجارية سيعلم بالتأكيد بأن هؤلاء قوم أظهروا حاجتهم وفاقتهم بطريقتهم الخاصة لمن كان له قلب أو شعور.
لن تسمح الجهات الرسمية اليوم لابتكارات الفقراء واختراعات المحتاجين أن تكون طريقة لبناء البيوت، لأن أي ممارسة لفقير لن يكون فيها ما تشترطه هندسة البلدية من شروط بعيد هو عنها بعد الشمس عن الأرض، ولكنه مع ذلك محترق بلظاها، فماذا يفعلون وإلى من يشتكون؟ وهم محرومون حتى من التشبه بالإنسان القديم الذي كان يعتبر السكن حقه على الأرض.
عدم وجود المواد الأساسية والأولية ليس هو المشكلة، بل العائق هو سد أبواب التصرف أمام المحتاج أن يبحث لنفسه عن ضوء يرى منه جمال الإنسانية من جديد ويأكل ويشرب من مخزون الأرض ورزق الله.
كل الحياة دائرة، فما تلقيه أيد تتلقفه أخرى، وما يستغني عنه بدن يصلح لأبدان، وما يزيد عن شراهة المترفين يكفي لأن يكون قوتا لكل الفقراء، فليس من الغريب أن تكون صفائح زيت أو حلاوة طحينية مواد هامة في صنع عش زوجية هانئ .
فها هي “شوكة وملعقة” حققت مقاصد اجتماعية وشرعية وبلدية من مسكن وفرص عمل وتخلص من نفايات ولحمة مجتمعية نتمنى نحن الآن أن تتحقق في برامجنا التي نأمل، لولا أن استفزنا عضو مجلس شورى وصرح بأن السكن ليس حقا للمواطن.
[email protected]
استخدم الفقراء هذه الطريقة كما كنت أشاهد وأنا صغير في تجمعات بالمدينة المنورة ومكة المكرمة يقطنها مساكين، ومن الطبيعي أنه بداخل تلك الأحياء تنشط الأعمال الحرفية التي يحتاجها هؤلاء، ومنها بناء “الصنادق” على هذا المنوال مستخدمين ما يلقيه الأغنياء بعد أن يفرغوا ما في بطون الصفيحة في بطونهم غير مكترثين بآنية لم يعد لها نفع عندهم.
ما يعتبره شخص نفاية يعتبره جوْعى العالم كنوزا في الأرض، وما يظنه المرفهون زائدا عن الحاجة يعتبره فاقدو الأمل فرصة، ومن العلب الفارغة التي يستهلكها الناس بشكل مهول في هذا العصر يستطيع من أوتي تفكيرا سليما ويدا “تلف في حرير” أن يصنع جدرا لبيت يحميه من العراء وسقفا لحجْرة تشعره بالأمان .
قلت لنفسي كيف يحلو السكن في منازل كهذه تفرض على ساكنيها عدم نسيان جوعهم وهم يسكنون بيوت الصفيح المجمع من أواني الزيت والسمن الكبيرة في يوميات يذكرهم زيت خاص في ذلك الحين يسمى “زيت الشوكة والملعقة” لما يظهر على صفيحته من صورة لشوكة وملعقة متقاطعتين كأنهما دعاية لالتهام ألذ الطبخات المستخدم فيها زيت لا محالة .
لكن علامة الجودة “شوكة وملعقة” الأكثر شيوعا في عالم بناء “الصنادق” فرضت الأمر، واستفادت الشركة المصنعة لهذا النوع من الزيت فائدة لم تكن تتوقعها على أثر تصرف هؤلاء الفقراء العفوي، وربما يكون استمرار إنتاج الزيت للأغنياء والصفائح للفقراء معادلة عجز عنها رعاة الاقتصاد اليوم، وكم كان صبر الرجل في انتظاره لأن تجهز “صندقته” بعد أن يقضي أياما وشهورا في تجميع أكبر قدر من الصفائح .
الجيد في الأمر أن صانعي “الصنادق” السكنية كانوا يجعلون وجه الصفائح التي عليها كتابات الشركة الصانعة وشعاراتها للخارج ويجعلون الوجه الخالي من أي كتابة للداخل، معتبرين بأن تلك الجهة التي كانت تلامس الغذاء وتحفظه من التلف هي الأصلح لأن تحفظ أبدانهم من الحر والقر، ومن يمر ببيوتهم ويرى ذلك التجمهر من العلامات التجارية سيعلم بالتأكيد بأن هؤلاء قوم أظهروا حاجتهم وفاقتهم بطريقتهم الخاصة لمن كان له قلب أو شعور.
لن تسمح الجهات الرسمية اليوم لابتكارات الفقراء واختراعات المحتاجين أن تكون طريقة لبناء البيوت، لأن أي ممارسة لفقير لن يكون فيها ما تشترطه هندسة البلدية من شروط بعيد هو عنها بعد الشمس عن الأرض، ولكنه مع ذلك محترق بلظاها، فماذا يفعلون وإلى من يشتكون؟ وهم محرومون حتى من التشبه بالإنسان القديم الذي كان يعتبر السكن حقه على الأرض.
عدم وجود المواد الأساسية والأولية ليس هو المشكلة، بل العائق هو سد أبواب التصرف أمام المحتاج أن يبحث لنفسه عن ضوء يرى منه جمال الإنسانية من جديد ويأكل ويشرب من مخزون الأرض ورزق الله.
كل الحياة دائرة، فما تلقيه أيد تتلقفه أخرى، وما يستغني عنه بدن يصلح لأبدان، وما يزيد عن شراهة المترفين يكفي لأن يكون قوتا لكل الفقراء، فليس من الغريب أن تكون صفائح زيت أو حلاوة طحينية مواد هامة في صنع عش زوجية هانئ .
فها هي “شوكة وملعقة” حققت مقاصد اجتماعية وشرعية وبلدية من مسكن وفرص عمل وتخلص من نفايات ولحمة مجتمعية نتمنى نحن الآن أن تتحقق في برامجنا التي نأمل، لولا أن استفزنا عضو مجلس شورى وصرح بأن السكن ليس حقا للمواطن.
[email protected]