عبدالله المزهر

وداعا آخر الصعاليك النبلاء!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الخميس - 28 أبريل 2016

Thu - 28 Apr 2016

سعد بن جدلان كان شاعرا من الناس، من البسطاء، أكثر أهل الأرض وأكثر أهل السماء، لم يلبس قصائده ربطات العنق، ولم يدس النبيذ بين كلماتها. لذلك كانت أبياته على ألسنة الناس كتحايا الصباح والمساء، يحفظونها بشكل تلقائي ودون عناء، ويرددونها كثيرا دون أن يتوقفوا كثيرا عند معانيها.

حفظ الناس أبيات سعد قبل أن يعرفوا صورته، ودون أن يشتري الصفحات ليضع فيها قصائده وبجوارها صورته وهو يضع يده على خده.

حين تمر أبيات بن جدلان فإن البسطاء يعرفونها حتى دون أن يذكر اسمه لأنها تشبه وجوههم، تشبه الناس، تشبه الأشياء التي يعرفونها ولا يشاهدونها في التلفزيون، صادقة وحقيقية.

رحم الله سعد ورحم الله بندر بن سرور، جمعتهما الصعلكة النبيلة وفرقهما الزمان. كانت القصائد قبل بندر غير القصائد التي أتت بعد بندر، وكذلك كان الشعر قبل سعد وبعد سعد ولو كانا من بلاد أعجمية لا نعرف لغتها لكنا الآن نتفاخر بحفظ عباراتهما ونحن «نحتسي» القهوة الساخنة في المساءات الباردة!

سعد مثل بندر، كان شاعرا وصعلوكا نبيلا وفيلسوفا وإنسانا. حين يرحل العظماء البسطاء أمثاله فإن شيئا ما يتغير، شيء ما لن يعود كما كان!

حين توفي بندر بن سرور كنت للتو أغادر مرحلة الطفولة، ولا أذكر كيف كان رحيله ولكني أجزم أنه رحل بهدوء كما رحل سعد الآن، بهدوء ودون ضجيج ولكن شيئا ما يتغير لا تعرف ما هو ولا كيف سيتغير!

وعلى أي حال..

منذ أضاؤوا جبل الصايرة بالأنوار المزيفة بقي سعد بن جدلان المعلم الوحيد من معالم بيشة الذي لم يتغير حتى رحل!

[email protected]