المسؤول القوي!
الثلاثاء - 26 أبريل 2016
Tue - 26 Apr 2016
والقوّة عندما تأتي في الصيغة الواردة في العنوان بنكهتها السعودية، فإنها تأتي في سياق الحديث عن «الإدارة» أي (في موضع الندى) كما يقول أبو الطيب، فالمقياس لدينا ليس الأداء بل القوّة، وكي نَبسط الفكرة ونبسّطها نلجأ لضرب مثال بسيط، فمثلاً عندما تشغر وظيفة مدير (أي مدير عموم في أي جزء من المملكة) فإنه من الطبيعي أن تتم التخمينات عمن هو المسؤول القادم، وهُنا بالذات تأخذ الحكاية ذروتها، إذ يَنصَبّ الترشيح على (الأقوى) وليس (الأكفأ)، والقوة المقصودة تعني أن الرجل له علاقات نافذة في الوزارة التي يتبع لها، (طيّب أنا وش محرق رزّي).. سأقول، رغم أن (الرزّ) ليس لي وحدي، ولكن يؤسفني على كل حال رؤيته وهو يحترق!.
في البداية نسأل كيف اكتسب هذه القوّة؟ والجواب أنه كان (مُريحا) لرؤسائه، فلم يخاطبهم يوماً بطلب «مُزعج» أو حتى غير مُزعج لتطوير العمل، فالتقارير والاتصالات كلها تُقدم فرض الولاء والطاعة والخنوووو..(أين العين؟ لو كانت هنالك عين لكانت الرؤية أجمل!)، أما من يطلب ويُلح ويُقاتل كي يُطوّر فهو مزعج ومثالي ويتسبب في تشتيت ذهن المسؤول، إذن كيف أصبح قوياً ونحن نصفه بأنه مجرد تسجيل صوتي (كل شيء تمام طال عمرك)؟.. الإجابة على هذا السؤال تحتاج (لكاتب قوي)، لكن لم تنته الحكاية بتعيين (الرجل القوي)، بل إن الحكاية بهذا المنعطف تحتاج لمؤثرات صوتية أو مقدمة مسلسل خليجي، فبعد أن تأكد الجميع أن الرجل الذي يثقون به أن تعيينه اعتمد على قوّة خارجية وليس كفاءة لن يكون بمقدور أحد أن ينتقده. فالقريبون منه يعرفون أن مجرد إغضابه يعني أنك ستجد نفسك موظف أرشيف في قرية نائية، أما الرأي العام فإنه أيضاً سيتجنب النقد لثقته أن النقد للرجل القوي لن يُقدم وسيؤخر بالتأكيد، وسيجلب لك مزيداً من التعب، ومع الوقت تتحول هذه الفكرة إلى حقيقة، فيصبح كل موظف يطمح في الترقيات ملتزماً بإرضاء المسؤول فقط، بغض النظر عن العمل، المهم ألا يزعج المسؤول أو يجلب له المشكلات والانتقادات، أما الكفء الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم فسيبقى ضعيفاً!
ولا تنتهي المشكلة هنا، بل إن هذا القوي سيكون يوماً على أعلى الهرم في وزارته، ولأنه لم يقل يوماً لمن هو أعلى منه وظيفياً كلمة «لا»، فإنه سيبحث عن مساعدين ومدراء من نفس المدرسة الإدارية التي لا أظن الشاعر يقصدها عندما قال:
ما قال «لا» قط إلا في تشهده ..
لولا التشهد كانت لاءه نعم!
وهذه الفئة سمتها الأساسية الـ»لا» الرافضة عندما يستوجب الأمر اتخاذ موقف، أولاً لأنها تكره الإسراف والتبذير، فلا داعي للبذخ بثلاثة أحرف «نعم» ، أما مبرر الرفض فدائماً تكتنفه سمة الغموض (النظام لا يسمح)، وإن قلت له أعرف النظام جيداً، فسيواري ارتباكه بجملة (عندنا توجيه سري)، وإن صرخت باستحالة وجود تعميم ضد الصالح العام، وقتها سيمسك يدك بلطف ليدلّك على باب الخروج وهو يهمس: (صدقني هذا توجيه طويل العمر شخصياً)!
[email protected]
في البداية نسأل كيف اكتسب هذه القوّة؟ والجواب أنه كان (مُريحا) لرؤسائه، فلم يخاطبهم يوماً بطلب «مُزعج» أو حتى غير مُزعج لتطوير العمل، فالتقارير والاتصالات كلها تُقدم فرض الولاء والطاعة والخنوووو..(أين العين؟ لو كانت هنالك عين لكانت الرؤية أجمل!)، أما من يطلب ويُلح ويُقاتل كي يُطوّر فهو مزعج ومثالي ويتسبب في تشتيت ذهن المسؤول، إذن كيف أصبح قوياً ونحن نصفه بأنه مجرد تسجيل صوتي (كل شيء تمام طال عمرك)؟.. الإجابة على هذا السؤال تحتاج (لكاتب قوي)، لكن لم تنته الحكاية بتعيين (الرجل القوي)، بل إن الحكاية بهذا المنعطف تحتاج لمؤثرات صوتية أو مقدمة مسلسل خليجي، فبعد أن تأكد الجميع أن الرجل الذي يثقون به أن تعيينه اعتمد على قوّة خارجية وليس كفاءة لن يكون بمقدور أحد أن ينتقده. فالقريبون منه يعرفون أن مجرد إغضابه يعني أنك ستجد نفسك موظف أرشيف في قرية نائية، أما الرأي العام فإنه أيضاً سيتجنب النقد لثقته أن النقد للرجل القوي لن يُقدم وسيؤخر بالتأكيد، وسيجلب لك مزيداً من التعب، ومع الوقت تتحول هذه الفكرة إلى حقيقة، فيصبح كل موظف يطمح في الترقيات ملتزماً بإرضاء المسؤول فقط، بغض النظر عن العمل، المهم ألا يزعج المسؤول أو يجلب له المشكلات والانتقادات، أما الكفء الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم فسيبقى ضعيفاً!
ولا تنتهي المشكلة هنا، بل إن هذا القوي سيكون يوماً على أعلى الهرم في وزارته، ولأنه لم يقل يوماً لمن هو أعلى منه وظيفياً كلمة «لا»، فإنه سيبحث عن مساعدين ومدراء من نفس المدرسة الإدارية التي لا أظن الشاعر يقصدها عندما قال:
ما قال «لا» قط إلا في تشهده ..
لولا التشهد كانت لاءه نعم!
وهذه الفئة سمتها الأساسية الـ»لا» الرافضة عندما يستوجب الأمر اتخاذ موقف، أولاً لأنها تكره الإسراف والتبذير، فلا داعي للبذخ بثلاثة أحرف «نعم» ، أما مبرر الرفض فدائماً تكتنفه سمة الغموض (النظام لا يسمح)، وإن قلت له أعرف النظام جيداً، فسيواري ارتباكه بجملة (عندنا توجيه سري)، وإن صرخت باستحالة وجود تعميم ضد الصالح العام، وقتها سيمسك يدك بلطف ليدلّك على باب الخروج وهو يهمس: (صدقني هذا توجيه طويل العمر شخصياً)!
[email protected]