التقيد بالنظام.. فطرة كونية وضرورة شرعية
السوق
السوق
الاثنين - 25 أبريل 2016
Mon - 25 Apr 2016
كنت قد بدأت في الحديث عن النظام في الإسلام في مقالة يوم الاثنين الحادي عشر من جمادى الآخرة، وكنت أرجو أن أستكمل الحديث في هذا الموضوع، ولكن قدر الله أن أكتب عن أحداث آنية شهدتها ساحتنا في مملكتنا الغالية.. ولقد ختمت تلك المقالة عن هذا النظام البديع الذي يسير الكون كله طبقا له دون فوضى أو عبثية أو تضارب أو اختلاف، لأن الذي وضعه وأتقنه هو الخالق جل في علاه..
نعم قارئي العزيز، لقد دعا الإسلام إلى الأخذ بالنظام في كل مرفق من مرافق الحياة البشرية، يوجب النظام في الأكل وفي الشرب، بدون إفراط ولا تفريط، وبلا إسراف أو تبذير، فيقول عز من قائل: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين). ويوجب النظام في المشي والحركة، فيقول تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا). والهون هو المشي المعتدل بدون بطء وبلا سرعة فائقة، وبدون تبختر وخيلاء وبلا ذلة وضعف وهوان. ثم يحث على الالتزام بالنظام في المعاملة مع الناس كلهم: (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن اللّه لا يحب كل مختال فخور(*) واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير). ولقد حرص سيدنا وحبيبنا رسول الله، عليه وعلى آله الصلاة والسلام، على التنظيم، والذي يبدو واضحا من خلال دعوته الصريحة إلى إقامة أمير أو اختيار قائد على رأس كل مجموعة أو فريق عمل، حتى ولو كانوا ثلاثة، كي لا تكون هناك فوضوية في التعامل، فقال عليه الصلاة والسلام (إذا كنتم ثلاثة فأمّروا أحدكم). هذا الحرص من رسول الله، عليه الصلاة والسلام، على إناطة أمر المسلمين إلى أمير أو قائد هو حرص بالتالي أن تكون أمور المسلمين وشؤونهم منتظمة منضبطة، سواء كانوا في سلم أو في حرب، في تجارة أو على سفر، وسواء كانت هذه الشؤون صغيرة أم كبيرة، فكيف يُحسم خلاف إذا لم يكن في المجموعة من يُسمع له ويُطاع! وكيف تحدد وجهة سير- إن تعددت الوجهات - إن لم تُمنح سلطة ما حق الاختيار والتحديد؟!
يقول هنري سيروي، وهو أحد المفكرين المسيحيين «إن محمدا لم يغرس في نفوس العرب مبدأ التوحيد فقط، بل غرس فيهم المدنية والأدب»، وحقيقة قارئي العزيز إن أردنا أن نعرف مدى تقدم الأمة ومقدار رقيها وحضارتها، فعلينا أن ننظر إلى احترام أبنائها للقوانين، واحترامهم للأنظمة والقواعد العامة، وتنفيذهم للتعليمات التي تنظم حياتهم في شتى المجالات. فالشارع له إشارات وإرشادات مرورية، وآداب عامة تحفظ حركة الناس وحياتهم، والوزارات ومرافق الدولة لها قوانين ولوائح ينبغي الانتباه إليها، والعملية التربوية والتعليمية والمدارس لها نظام معين ومراحل متعاقبة لا بد من تتابعها واتباعها، والأمن في حياة الناس له ضوابط وأنظمة وقوانين تكفله حفاظا على الأرواح والممتلكات لا يمكن مخالفتها.
والوظيفة وتقلد المناصب لهما نظام وشروط ومواصفات تكفل الرقي والنجاح. وهكذا في جميع جوانب الحياة وهكذا تسير الأمم والشعوب وهكذا ترتقي المجتمعات.
حتى وقوفك في طابور أو صف لشراء أغراض في السوق أو وقوفكم في المواصلات، نعم الوقوف في «الطابور» له نظام وترتيب، فلا يمكن أن تسبق من كان قبلك، ولو كنت أكثر وجاهة أو لديك مال، إلا أن يأذن لك الآخرون من حولك تقديرا لظرف معين..
وحتى إن لم يكن هناك قانون يضبط هذه الممارسات، فهناك أعراف وعادات حميدة والفطرة السوية للإنسان التي ترفض الفوضى والعبثية والإخلال بالنظام العام. فإذا ما وُجد هذا الانضباط والالتزام بالقوانين واللوائح التي تنظم حياتنا فسنجد الحقوق مصونة والأعراض محفوظة والعدل يسود الحياة، والتعاون والتآلف بين أفراد المجتمع ينتشر والحق ينتشر والظلم يندثر.
قيل للخليفة عمر بن عبدالعزيز «إن الناس قد تمردت وساءت أخلاقها، ولا يقوّمها إلا السوط!، فقال: كذبتم، فإنه يقومها العدل والحق».
والحق أن الاحترام في بعض الأحايين قد غاب، مما أدى إلى شيوع ثقافة التحايل على القيم والأخلاق بسبب جهل الناس بتعاليم الإسلام، فأصبحت الفوضى واللامبالاة هما السائدتان في كثير من مجتمعاتنا المسلمة، وانتشرت الرشوة والمحسوبية، وظهر العنف واستخدام القوة كوسيلة لتحقيق المكاسب وتلبية الحاجات. إن مجتمعات الفوضى لا يمكن أن تنهض أو تؤسس حضارة أو تبني أمة أو تورث علما أو تصنع منجزا، لأن الفوضى شريعة الغاب، والنظام هو قانون الحياة.
إن التقيد بالنظام قبل أن يكون قيمة حضارية، أو حاجة تنموية فهو فطرة كونية وضرورة شرعية، ولا يمكن أن يصلح مجتمع وفي أعضائه خلل يقطع تواصل دائرة النظام، ويفسد سلاسته.
إن الحكم على أي مجتمع بالقوة أو الضعف، أو وصفه بالتقدم أو التخلف، مرهون بمدى التزام أفراده ومؤسساته بالنظام العام وتقيدهم بالقواعد المنظمة لحياتهم، حفاظا على حياتهم. وإنه مما يحزّ في النفس أن تجد من أبنائنا - الذين سافروا لبعض دول الشرق أو الغرب أو عاشوا فيها لسبب أو لآخر - إعجابا بدقة الناس في تلك الدول، في مواعيدهم وتمسكهم الصارم بالأنظمة واللوائح، وعدم تفريطهم في ما بين أيديهم من تعليمات وضوابط، بينما نجدهم هم وغيرهم في بلادنا من أقل الناس تمسكا وانضباطا. وسبحان الله، إن لنا دينا لو تمسكنا به لأصبحنا في القمة - كما كنا - خلقا وأدبا وجودة وإتقانا. ولصبّت علينا الخيرات صبا، ولفتحت علينا بركات من السماء والأرض.
لقد بنت الأمة الإسلامية مجدها بالنظام وبالرقي وبالالتزام، لأن الشخص المسلم يتربّى على عقيدة تغرس في نفسه بالفطرة، الضمير اليقظ، والذوق الرفيع، والعمل النافع، لأنه يدرك أنه سوف يُسأل عن ما أوتي من نعم، وما أداه من واجبات، وما قام به من أعمال، بل ويؤجر على ذلك. والله تبارك وتعالى يقول (ولتُسألن عما كنتم تعملون). وقال تعالى (ولا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أُولئك كان عنه مسؤولا). فما أجمل ذلك اليوم، وما أسعد تلك الأمة، حين يسود الاحترام للأنظمة في كل مرافق حياتنا، في البيوت والشوارع، في الميادين والحدائق، في المدارس والدوائر، في الوزارات والإدارات وسائر المؤسسات. إن هذا اليوم حين يطل بوجهه الجميل علينا، ستزدهر أمتنا ويتبدل حالنا. قال تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال).. اللهم غيّر سوء حالنا بحُسن حالك.
نعم قارئي العزيز، لقد دعا الإسلام إلى الأخذ بالنظام في كل مرفق من مرافق الحياة البشرية، يوجب النظام في الأكل وفي الشرب، بدون إفراط ولا تفريط، وبلا إسراف أو تبذير، فيقول عز من قائل: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين). ويوجب النظام في المشي والحركة، فيقول تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا). والهون هو المشي المعتدل بدون بطء وبلا سرعة فائقة، وبدون تبختر وخيلاء وبلا ذلة وضعف وهوان. ثم يحث على الالتزام بالنظام في المعاملة مع الناس كلهم: (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن اللّه لا يحب كل مختال فخور(*) واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير). ولقد حرص سيدنا وحبيبنا رسول الله، عليه وعلى آله الصلاة والسلام، على التنظيم، والذي يبدو واضحا من خلال دعوته الصريحة إلى إقامة أمير أو اختيار قائد على رأس كل مجموعة أو فريق عمل، حتى ولو كانوا ثلاثة، كي لا تكون هناك فوضوية في التعامل، فقال عليه الصلاة والسلام (إذا كنتم ثلاثة فأمّروا أحدكم). هذا الحرص من رسول الله، عليه الصلاة والسلام، على إناطة أمر المسلمين إلى أمير أو قائد هو حرص بالتالي أن تكون أمور المسلمين وشؤونهم منتظمة منضبطة، سواء كانوا في سلم أو في حرب، في تجارة أو على سفر، وسواء كانت هذه الشؤون صغيرة أم كبيرة، فكيف يُحسم خلاف إذا لم يكن في المجموعة من يُسمع له ويُطاع! وكيف تحدد وجهة سير- إن تعددت الوجهات - إن لم تُمنح سلطة ما حق الاختيار والتحديد؟!
يقول هنري سيروي، وهو أحد المفكرين المسيحيين «إن محمدا لم يغرس في نفوس العرب مبدأ التوحيد فقط، بل غرس فيهم المدنية والأدب»، وحقيقة قارئي العزيز إن أردنا أن نعرف مدى تقدم الأمة ومقدار رقيها وحضارتها، فعلينا أن ننظر إلى احترام أبنائها للقوانين، واحترامهم للأنظمة والقواعد العامة، وتنفيذهم للتعليمات التي تنظم حياتهم في شتى المجالات. فالشارع له إشارات وإرشادات مرورية، وآداب عامة تحفظ حركة الناس وحياتهم، والوزارات ومرافق الدولة لها قوانين ولوائح ينبغي الانتباه إليها، والعملية التربوية والتعليمية والمدارس لها نظام معين ومراحل متعاقبة لا بد من تتابعها واتباعها، والأمن في حياة الناس له ضوابط وأنظمة وقوانين تكفله حفاظا على الأرواح والممتلكات لا يمكن مخالفتها.
والوظيفة وتقلد المناصب لهما نظام وشروط ومواصفات تكفل الرقي والنجاح. وهكذا في جميع جوانب الحياة وهكذا تسير الأمم والشعوب وهكذا ترتقي المجتمعات.
حتى وقوفك في طابور أو صف لشراء أغراض في السوق أو وقوفكم في المواصلات، نعم الوقوف في «الطابور» له نظام وترتيب، فلا يمكن أن تسبق من كان قبلك، ولو كنت أكثر وجاهة أو لديك مال، إلا أن يأذن لك الآخرون من حولك تقديرا لظرف معين..
وحتى إن لم يكن هناك قانون يضبط هذه الممارسات، فهناك أعراف وعادات حميدة والفطرة السوية للإنسان التي ترفض الفوضى والعبثية والإخلال بالنظام العام. فإذا ما وُجد هذا الانضباط والالتزام بالقوانين واللوائح التي تنظم حياتنا فسنجد الحقوق مصونة والأعراض محفوظة والعدل يسود الحياة، والتعاون والتآلف بين أفراد المجتمع ينتشر والحق ينتشر والظلم يندثر.
قيل للخليفة عمر بن عبدالعزيز «إن الناس قد تمردت وساءت أخلاقها، ولا يقوّمها إلا السوط!، فقال: كذبتم، فإنه يقومها العدل والحق».
والحق أن الاحترام في بعض الأحايين قد غاب، مما أدى إلى شيوع ثقافة التحايل على القيم والأخلاق بسبب جهل الناس بتعاليم الإسلام، فأصبحت الفوضى واللامبالاة هما السائدتان في كثير من مجتمعاتنا المسلمة، وانتشرت الرشوة والمحسوبية، وظهر العنف واستخدام القوة كوسيلة لتحقيق المكاسب وتلبية الحاجات. إن مجتمعات الفوضى لا يمكن أن تنهض أو تؤسس حضارة أو تبني أمة أو تورث علما أو تصنع منجزا، لأن الفوضى شريعة الغاب، والنظام هو قانون الحياة.
إن التقيد بالنظام قبل أن يكون قيمة حضارية، أو حاجة تنموية فهو فطرة كونية وضرورة شرعية، ولا يمكن أن يصلح مجتمع وفي أعضائه خلل يقطع تواصل دائرة النظام، ويفسد سلاسته.
إن الحكم على أي مجتمع بالقوة أو الضعف، أو وصفه بالتقدم أو التخلف، مرهون بمدى التزام أفراده ومؤسساته بالنظام العام وتقيدهم بالقواعد المنظمة لحياتهم، حفاظا على حياتهم. وإنه مما يحزّ في النفس أن تجد من أبنائنا - الذين سافروا لبعض دول الشرق أو الغرب أو عاشوا فيها لسبب أو لآخر - إعجابا بدقة الناس في تلك الدول، في مواعيدهم وتمسكهم الصارم بالأنظمة واللوائح، وعدم تفريطهم في ما بين أيديهم من تعليمات وضوابط، بينما نجدهم هم وغيرهم في بلادنا من أقل الناس تمسكا وانضباطا. وسبحان الله، إن لنا دينا لو تمسكنا به لأصبحنا في القمة - كما كنا - خلقا وأدبا وجودة وإتقانا. ولصبّت علينا الخيرات صبا، ولفتحت علينا بركات من السماء والأرض.
لقد بنت الأمة الإسلامية مجدها بالنظام وبالرقي وبالالتزام، لأن الشخص المسلم يتربّى على عقيدة تغرس في نفسه بالفطرة، الضمير اليقظ، والذوق الرفيع، والعمل النافع، لأنه يدرك أنه سوف يُسأل عن ما أوتي من نعم، وما أداه من واجبات، وما قام به من أعمال، بل ويؤجر على ذلك. والله تبارك وتعالى يقول (ولتُسألن عما كنتم تعملون). وقال تعالى (ولا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أُولئك كان عنه مسؤولا). فما أجمل ذلك اليوم، وما أسعد تلك الأمة، حين يسود الاحترام للأنظمة في كل مرافق حياتنا، في البيوت والشوارع، في الميادين والحدائق، في المدارس والدوائر، في الوزارات والإدارات وسائر المؤسسات. إن هذا اليوم حين يطل بوجهه الجميل علينا، ستزدهر أمتنا ويتبدل حالنا. قال تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال).. اللهم غيّر سوء حالنا بحُسن حالك.