أحمد الهلالي

الهيئة.. إلى من تنحاز؟

الجمعة - 22 أبريل 2016

Fri - 22 Apr 2016

أقبل الصيف بإجازته المختلفة هذا العام عن سابقاتها، فهي ممتدة من قبل رمضان إلى ما بعد الحج لا انقطاع فيها، وهذا الامتداد للإجازة يحتاج امتدادا أعمق وأكمل من لدن الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، فالسياحة الدينية في رمضان والحج شبه مستقلة عنها، وتتابعها بانتظام مؤسسات حكومية أخرى، وليت الهيئة تستغل هذا التدفق الإسلامي على وطننا، لكن ربما يكون هذا من الأحلام البعيدة.

دعونا نعود إلى أحلامنا القريبة، وهي لا تعدو الاهتمام بالسياحة الداخلية على مستوى المرافق والخدمات، فقضية الأسعار الملتهبة لا تزال عائقا كبيرا يرهق الكثير من الأسر في السكن، وفي وسائل اللهو والترفيه، وإن كانت الهيئة قد بادرت إلى تحديد أسعار الوحدات السكنية لكن تلك التسعيرات خيالية لا يلتزم بسقفها حتى ملاك الوحدات السكنية، فهي مقسمة إلى (اعتيادي/‏ ومواسم) حتى صارت (الجمعة والسبت) من المواسم التي ترفع فيها الأسعار دون مبرر، وأما في الأيام الاعتيادية فإن الوحدات تؤجر بأقل من السعر المحدد من الهيئة، ما يدل على أن التسعير خيالي يبرر فقط لملاك الوحدات السكنية رفعها متى شاؤوا، ناهيك عن تدني مستوى النظافة والخدمات المقدمة في كثير من الوحدات السكنية (الشقق المفروشة) وما تسمى شاليهات أو منتجعات (زورا)، وربما عهدهم بالهيئة عند استخراج التصريح أو تجديده.

وعلى مستوى الترفيه واللهو فإن أرباب الأسر (يكحون دما) في مدن الألعاب، فلا أسعار محددة للألعاب، ولا تحديد للوقت الذي يلهو فيه الطفل ليوازي ما تدفعه الأسرة، وبعض مدن الألعاب تفرض رسوما على الدخول حتى، وأسعار المواد الاستهلاكية مضاعفة فيها، فتضطر بعض الأسر إلى تكبد عناء الخروج بحثا عن أسعار مناسبة، وكل هذه المعاناة يتسبب فيها سوء التنظيم والرقابة من قبل الهيئة والبلديات، حين تترك باب الجشع مفتوحا على مصراعيه، مع أن أوقات الإجازات وكثافة المتنزهين فيها كفيلة بتعويض المستثمر عن أيام الركود، فتمتد المعاناة، وتستمر الشكاوى من جور السياحة الداخلية مقارنة بالسياحة الخارجية التي صارت ملاذ الكثير من الأسر.

وبعودة (تيران وصنافير) إلى خارطة الوطن، وأحلام السعوديين بسياحة بحرية مميزة، أتذكر عدد الجزر الصغيرة البكر على شواطئ القنفذة حين زرتها مؤخرا، لكني وأسرتي لم نحظ بمتعة تلك الزيارة حين وجدنا الجزر خاوية من الظل، فلو هيأت الهيئة أو البلدية على أقل تقدير عرائش من الخشب يستظل بها السواح لنالوا أجرا، فلم يستفد من تلك الزيارة إلا صاحب المركب الذي نال أجرة رأيناها ـ على مضض ـ (أبرك) من أسعار مراكب جدة.

وفي شق الآثار، لم يلفتني التقرير المنشور في هذه الصحيفة يوم الأربعاء الماضي عن (عين زبيدة) التي صار مبناها الأثري مأوى للرعاة، تمتلئ ردهاتها بالنفايات، حتى اقتلع الفضوليون أغطية خرزاتها في وادي نعمان وصارت أعشاشا للحمام، فكانت إجابة مدير فرع الهيئة في مكة أن نظام الآثار يوقع العقوبات على المعتدين ومخربي الآثار، وإني لأستغرب هذه الإجابة عن معلم أثري ملاصق لمكة، فماذا سيكون حال الآثار في المحافظات والمراكز البعيدة، هل يعقل أن فرع الهيئة في كل منطقة يكتفي موظفوه بمكاتبهم، وافتتاح خيم التسوق أو مهرجانات الصيف؟

لا أظن أن تأتي الإجابة بـ(لا)، ففي الطائف على (شارع وج) العام يشمخ قصر (جبرة) الأثري الذي يقال إن الملك عبدالعزيز سكنه، وقد اكتفت الهيئة بإحاطته بشبك معدني، قطع الفضوليون أوصاله وانتهكوا حرمته ولم يتغير شيء، وفي مشاهدات شخصية زرت مسقط رأسي (حالة عمار) شمال تبوك، وعرّجت على قلعة (ذات حاج) فوجدتها مرممة تساقطت بعض حجارتها وقد أحيطت بسياج معدني أيضا، لكنه مقطع من بعض جهاته، وحين توسطتها كانت ردهاتها وغرفها محفورة، ولم أجد مبررا لتلك الحفر العميقة إلا هاجس المهووسين بالكنوز المدفونة، وكذلك بعض الغرف المجاورة لها على سكة القطار القديم، وقد أعمل الحفارون فيها أحلام الذهب المخبوء.

لا نزال ننتظر الكثير من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وأميرها المحبوب النشيط، فالأسعار واستغلال الموارد الأثرية، والحفاظ على منجزات الهيئة فيها كلها يجب أن تلقى عناية المسؤولين واهتمامهم، وسيتغاضى الناس عن الأسعار حين يجدون الخدمات المقدمة موازية لها، لكن تردي الخدمات في ظل أسعار ملتهبة تؤثر عميقا في النفس وتربك خيارات السياحة في بلادنا، وسيظل شعار السياحة الداخلية قزما باهتا حتى تُصحح المعادلة، ومن يملك تصحيحها غير الهيئة بقرارات حازمة وعادلة، تضع مصلحة الوطن والمواطن والمستثمر نصب عينيها، وتكثف رقابتها على التنفيذ والجودة، وتضاعف اهتمامها بالآثار الوطنية التي تزخر بها بلادنا صيانة وحماية، وابتكار وسائل جذب غير التي نشاهدها اليوم، ولا تنحاز إلى صناعة السياحة الحقيقية.