واشنطن في تحدي التوازنات بين عصا التحالف الخليجي وجزرة التقارب الإيراني

الخميس - 21 أبريل 2016

Thu - 21 Apr 2016

يقرأ الخبراء السياسيون زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الرابعة إلى السعودية وعقده مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي قمتهم الثانية في أقل من عام، على أنهما إقرار من الإدارة الأمريكية بالحاجة إلى تصحيح مسار العلاقات مع المجموعة الخليجية والسعودية على وجه الخصوص، في ظل تحديات عدة، أبرزها التقارب الأمريكي الإيراني، والتردد الأمريكي في بعض قضايا المنطقة الحساسة كالقضية السورية، عوضا عن تصريحات أوباما المثيرة للجدل في مجلة أتلانتك.

كل هذه الملفات المتزامنة مع التحركات السعودية من خلال التحالف العسكري في اليمن والتحالف الإسلامي وضعت واشنطن أمام تحديين، هما محاولتها لاستعادة ثقة حلفائها الاستراتيجيين، أي الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية، ومحاولة الوصول إلى توازن يجمع عصا التحالف الخليجي وجزرة التقارب الإيراني.

هل تتدارك واشنطن نفسها؟

العلاقات الأمريكية تمر بأزمة خريف تعصف بعلاقاتها بحلفائها، بحسب أستاذ العلاقات العامة والإعلام بجامعة الإمام عبدالله كدسة، إذ فقدت واشنطن ثقة حلفائها على اختلافهم، سواء في مصر أو العراق أو السعودية ودول الخليج، وحتى دول أمريكا الجنوبية، خاصة أنها سعت إلى توسيع أسواقها عبر تقاربها مع إيران، فقادت نفسها لأزمة ثقة مع الخليج، مما دفع هذه الدول إلى البحث عن تحالفات جديدة أو تكوين تحالفات جديدة.

وقال كدسة إن أي رئيس آخر سيتخذ الإجراءات نفسها تجاه إيران في ظل المعطيات الحالية، إذ تبحث واشنطن عن فرص لتوسيع اقتصادها، وهو ما دفع للاتفاق الأمريكي الإيراني، كونه يفتح لأمريكا سوقا كبيرا في إيران.

وعلى الرغم من أن أوباما يعتبر أن العلاقة الأمريكية الإيرانية إنجازه، كونه يرى أن إيران كانت تشكل خطرا وتسير نحو برنامج تخصيب النووي، فإن تحويلها إلى سوق لأمريكا، وإن حقق مصلحة لها، إلى أنه ضرب عرض الحائط بسماكة العلاقات الاستراتيجية الخليجية الأمريكية، وهو ما تسعى الزيارة الأخيرة لتداركه.

تصريحات أتلانتك وإطلاق النار

وعن تصريحات الرئيس الأمريكي التي أثارت الجدل في مجلة أتلانتك، قال كدسة إنها كانت بمثابة إِطلاق النار، إذ لم تعزف واشنطن عن انتقاد طهران تبعا للتقارب بينهما، فقال أوباما إن إيران تشكل بلبلة وفوضى بالشرق الأوسط، في إشارة إلى أن هذا التقارب مصلحي بحت لا يمكن أن يتعمق إلى علاقة استراتيجية بين الدولتين، خاصة في ظل توجس الجمهوريين الكبير من العلاقة مع إيران، والذي أصبح عنوانا عريضا في حملاتهم الدعائية، عوضا عن رفض عدد كبير من أعضاء الكونجرس الأمريكي لهذا التقارب الذي يعتبره بعضهم أنه كارثة.

تصريحات أوباما طالت كذلك عددا من الدول الأوروبية.

الفيتو.. غزل الخليج ومآرب أخرى

التحركات السعودية المتمثلة بالتحالف العسكري في اليمن والتحالف الإسلامي فرضت على أمريكا فهما جديدا، كونها تحترم القوي مهما اختلفت معه، كما في سياستها مع الصين وكوريا الشمالية، وبالتالي يمكن قراءة مشهد الزيارة الأخيرة لأوباما إلى السعودية بأنها تلويحة بأن الإدارة الأمريكية القادمة ستتخذ إعادة مسار مع الخليج، لأن مصالحها مع إيران ليست أهم أو أكبر من مصالحها مع دول الخليج، فالأخيرة بها أكبر احتياطي نفطي في العالم، عوضا عن القدرة المادية على شراء الأسلحة الأمريكية، بحسب كدسة، الذي أضاف: لوح أوباما باستخدام حق الفيتو لرفض مشروع قرار بالكونجرس يرفع الحصانة عن السعودية بما يمكن أي أحد من رفع دعوى عليها.

وهذه ليست مغازلة للخليجيين فقط، وإنما حرص على حماية أمريكا من الموقف نفسه، كون إقرار المشروع سيجعل عددا من الدول تسعى لإسقاط حصانة أمريكا بالطريقة نفسها لتوجيه الاتهامات لها.

صعوبات فهم بؤر إيران

من جهته قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود الدكتور محمد الحارثي إن عدم فهم الرئيس الأمريكي لطبيعة التحركات الإيرانية في المنطقة وعدائية إيران لدول المنطقة قاد إلى أزمة واضحة لا تصل لدرجة الانقطاع رغم ما يشوبها من اختلاف في وجهات النظر.

مضيفا «هددت إيران الاستقرار الأمني في المنطقة، وتدخلت في السياسات الداخلية، وفي معظم الحالات تتجاوز التعامل مع الحكومات الرسمية وتتعامل مع الأقليات، وتخلق بؤر توتر.

والتاريخ مليء بالحكمة الخليجية والتهور الإيراني، ففي اليمن تدخلت عبر الحوثيين الذين لا يشكلون عددا كبيرا ودربتهم عسكريا وإعلاميا، واخترقت حسن الجوار، وأقامت علاقات ليست مع الحكومة في صنعاء، وإنما مع الأقلية إلى أن أصبحت خطرا يهدد اليمن والاستقرار في منطقة الخليج الحساسة، وهو ما كررته بنفث الطائفية في البحرين والعراق ولبنان وسوريا».

كيف تدفع أمريكا الثمن؟

وبحسب الحارثي فإن إعادة العلاقات الأمريكية الخليجية إلى مجراها ومستواها الطبيعي كرة في ملعب الإدارة الأمريكية، إذ إن سجل الخليج ناصع في تاريخ هذا التحالف، إذ دعمت السعودية المواقف الأمريكية، وحرصت على استقرار أسواق النفط، وهذا أحيانا كان يأتي على مصلحة السعودية قصيرة المدى، لكن السعودية كانت دائما بعيدة النظر وتدرك أن من مصلحتها الاستقرار العالمي ومصلحة أمريكا كحليف، ولذلك تماشت مع هذا التحالف. وهذا يلقي على كاهل الولايات المتحدة أن تعيد لهذا التحالف نضارته وحيويته واستقراره، فالكرة الآن في ملعب أمريكا لإعادة المصداقية والحيوية لهذا التحالف.

لا شك أن دول الخليج لم تقل في يوم من الأيام إنها لا تريد هذا التحالف، لكنها كذلك لا تريد أن تدفع ثمن التحالف من طرف واحد، وأن تكون هي ذلك الطرف.

ويرى الحارثي أن الثمن الذي يجب أن تدفعه أمريكا هو ألا تغض الطرف عن الاستفزازات الإيرانية من خلال الحوثي، ومن خلال بعض الحركات في العراق، ومن خلال الإرهاب الذي يمارسه النظام السوري على شعبه، واستفراد حزب الله واختطافه للعملية السياسية في لبنان.

تصحيح مسار

ولن تتمكن الإدارة القادمة لأمريكا ـ أيا كانت ـ من التراجع بشكل كامل عن العلاقة الأمريكية الإيرانية، غير أنها لن تواصل نهج أوباما وفق القراءة السياسية للدكتور الحارثي «قطع الرئيس الأمريكي خطوات كبيرة جدا في توثيق علاقته بإيران، وأي إدارة، سواء ديمقراطية أو جمهورية، لن تسير على خطوات أوباما، لأنها تعي أهمية التحالف مع دول الخليج، وبالتالي ستصحح المسار، خاصة أن الخليج سوق اقتصادية واعدة للأسلحة الأمريكية، ومصالح أمريكا مع دول الخليج أكثر منها مع إيران، ولا مقارنة في ذلك، عوضا عن قيادة السعودية للتحالف الإسلامي وللساحة العربية، والتي أثبتت لأمريكا أنها حليف يمكن الاعتماد عليه وتدعو للاستقرار والاعتدال في المنطقة، إذ نجحت السعودية في صناعة هذه التحالفات التي تتطلب الكثير من المهارات، وهذا يعطي مصداقية كبيرة لدورها القيادي في استقرار المنطقة».