الحدود والسيادة الوطنية العربية وأشياء أخرى
الخميس - 21 أبريل 2016
Thu - 21 Apr 2016
«أفضل حل لمشكلات الحدود هو إزالتها»، لا أذكر حقيقة هل هذه المقولة تعود لونستون تشرشل أو لشارل ديجول بالضبط. لكنها بالطبع تعكس حالة الحدود في مجتمع أوروبا الغربية ودول الاتحاد الأوروبي، فبعد أن انفصلت بلجيكا عن هولندا بالدم والحديد نرى اليوم شكل الحدود التي تفصل بين البلدين، فلا أسلاك شائكة أو أجهزة حرارية تراقب المتسللين أو أنفاقا.. كل ما هناك هو مجرد علامات صغيرة تشير إلى هذه الدولة أو تلك. وكذلك الحال بالنسبة لفرنسا وبريطانيا، الدولتين اللتين اندلعت بينهما حرب المئة عام!
صحيح أننا ندرك أن دول أوروبا الغربية لن تخلو من المشاكل والأزمات السياسية - نحن نرى الاحتقان المزمن في قضية أيرلندا – لكن على الأقل هناك أمل أو مسار صحيح لحل الأزمات وإن كان طويلا.
من الطريف أنه في عصر الدويلات المتتابعة في التاريخ الإسلامي لم يكن هناك نزاع أو حروب حول الحدود أو التخوم كما تسمى في ذلك الوقت، فبالرغم من وجود حروب مستمرة وانقضاضات شرسة متبادلة لنزع سلطة هذا الشخص أو تلك العائلة إلا أنه لم يصل لدرجة أن وصل النزاع على التخوم. حتى بين دول الخلافة، فعندما كانت هناك ثلاث دول تدعي كل منها أنها دولة الخلافة الحقيقية (العباسية في العراق والفاطمية في مصر والأموية في الأندلس)، لم تكن قضية التخوم قضية راهنة أو مطروحة في ذلك الزمان. فتش في كتب التاريخ الإسلامي كلها ستجد الحروب والكوارث والاغتيالات وحروب القصور والإبادات الشاملة، لكن ليست هناك معركة واحدة من أجل التخوم.
هل لأن مجتمع ذلك الزمان كان أكثر تحضرا من مجتمعاتنا اليوم؟! بالطبع لا، لأنه وببساطة لم تكن قضية التخوم (الحدود) تشكل معنى سياسيا أو اجتماعيا مثلما هي اليوم، الناس في ذلك الزمان – وحتى النخب الحاكمة – ترى أن المجتمع مجتمع واحد، وله امتداد اجتماعي طبيعي، ولم تكن الدولة - كجهاز - دولة حديثة ذات تعقيدات وتفصيلات مثلما هي اليوم. لكن نرى أن الدولة الحديثة بتفصيلاتها وتعقيداتها في أوروبا عادت إلى الطبيعة تلقائيا دونما قسر من أحد!
نحن العرب عادة نستورد من الغرب الأشياء بتعقيداتها ونغرق فيها دون أن نستطيع تحقيق الغاية التي ابتكرت من أجلها. استوردنا مفهوم الدولة الحديثة واقتصر استخدامنا لها على المستوى الأمني وحسب، واعتبرنا الدولة هي الحدود والجوازات وأنظمة الإقامة والعمل والهجرة والسجون!، دون الوصول لشكل الدولة الحديثة حيث الرعاية الاجتماعية، وبالتالي أصبحت قضية التخوم لدينا تمثل ما نسميه عبثا «السيادة الوطنية» ونحن نعلم أن جميع مخابرات دول العالم تعبث في هذه البلدان حيث السيادة الوطنية الشامخة!
أظن أن الجدل حول الحدود في المجتمع العربي هو مجرد جدل للهروب من مشاكلنا الحقيقية، نمعن في الحديث فيها هربا من التحديات الحقيقية والاستحقاقات التاريخية، نهرب من الحديث حول الاندماج الاجتماعي والتكامل الاقتصادي وتحسين قوانين العمل والإقامة والهجرة بما يلبي آمال وتطلعات مجتمعات المنطقة.
[email protected]
صحيح أننا ندرك أن دول أوروبا الغربية لن تخلو من المشاكل والأزمات السياسية - نحن نرى الاحتقان المزمن في قضية أيرلندا – لكن على الأقل هناك أمل أو مسار صحيح لحل الأزمات وإن كان طويلا.
من الطريف أنه في عصر الدويلات المتتابعة في التاريخ الإسلامي لم يكن هناك نزاع أو حروب حول الحدود أو التخوم كما تسمى في ذلك الوقت، فبالرغم من وجود حروب مستمرة وانقضاضات شرسة متبادلة لنزع سلطة هذا الشخص أو تلك العائلة إلا أنه لم يصل لدرجة أن وصل النزاع على التخوم. حتى بين دول الخلافة، فعندما كانت هناك ثلاث دول تدعي كل منها أنها دولة الخلافة الحقيقية (العباسية في العراق والفاطمية في مصر والأموية في الأندلس)، لم تكن قضية التخوم قضية راهنة أو مطروحة في ذلك الزمان. فتش في كتب التاريخ الإسلامي كلها ستجد الحروب والكوارث والاغتيالات وحروب القصور والإبادات الشاملة، لكن ليست هناك معركة واحدة من أجل التخوم.
هل لأن مجتمع ذلك الزمان كان أكثر تحضرا من مجتمعاتنا اليوم؟! بالطبع لا، لأنه وببساطة لم تكن قضية التخوم (الحدود) تشكل معنى سياسيا أو اجتماعيا مثلما هي اليوم، الناس في ذلك الزمان – وحتى النخب الحاكمة – ترى أن المجتمع مجتمع واحد، وله امتداد اجتماعي طبيعي، ولم تكن الدولة - كجهاز - دولة حديثة ذات تعقيدات وتفصيلات مثلما هي اليوم. لكن نرى أن الدولة الحديثة بتفصيلاتها وتعقيداتها في أوروبا عادت إلى الطبيعة تلقائيا دونما قسر من أحد!
نحن العرب عادة نستورد من الغرب الأشياء بتعقيداتها ونغرق فيها دون أن نستطيع تحقيق الغاية التي ابتكرت من أجلها. استوردنا مفهوم الدولة الحديثة واقتصر استخدامنا لها على المستوى الأمني وحسب، واعتبرنا الدولة هي الحدود والجوازات وأنظمة الإقامة والعمل والهجرة والسجون!، دون الوصول لشكل الدولة الحديثة حيث الرعاية الاجتماعية، وبالتالي أصبحت قضية التخوم لدينا تمثل ما نسميه عبثا «السيادة الوطنية» ونحن نعلم أن جميع مخابرات دول العالم تعبث في هذه البلدان حيث السيادة الوطنية الشامخة!
أظن أن الجدل حول الحدود في المجتمع العربي هو مجرد جدل للهروب من مشاكلنا الحقيقية، نمعن في الحديث فيها هربا من التحديات الحقيقية والاستحقاقات التاريخية، نهرب من الحديث حول الاندماج الاجتماعي والتكامل الاقتصادي وتحسين قوانين العمل والإقامة والهجرة بما يلبي آمال وتطلعات مجتمعات المنطقة.
[email protected]