فهيد العديم

حديث مع الأبواب!

الثلاثاء - 19 أبريل 2016

Tue - 19 Apr 2016

أكثر ما نعاني منه «سياسة الباب المفتوح» -بعد سعودتها بالطبع- فهذه السياسة مخاتلة جدا، فدائما المواطن مشكلته ليس مع باب المسؤول، ولكن مشكلته مع باب مدير مكتب المسؤول، ويمكن أن نحذف كلمة «باب» من الجملة السابقة وتكون أكثر دقة، ففي كثير من الأحيان يكون الباب ليس هو السنديان المصقول اللامع الذي يفصل بين الجنسين (جنس المواطن وجنس المسؤول)، بل هو الموظف المُلقب بمدير المكتب أو السكرتير، أو أيا كانت التسمية – لا مشاحة في الاصطلاح – وأظن أن المشكلة تكمن دوما في كلمة مسؤول، فالمواطن (يعتقد) أن المسؤول -يعني - مسؤولا عن خدمته، فيما هو – المسؤول- (يظن) أنه مسؤول مسؤولية كاملة عن المواطن، كما في أدبيات (ولي أمر الطالب)، ولأنني أكتب المقال بعد أن انقضت 45 دقيقة من انتظار الدخول على مسؤول، لذا قررت أن أستغل بقية الوقت بكتابة المقال ريثما (يفرجها الله)، طبعا مللت من تعداد عدد المرات التي تردد فيها (مسؤول الشاي والقهوة) بالدخول والخروج لمكتب المسؤول، وهذا بحد ذاته شيء جميل جعلني أستنتج أن سعادته ليس نائما، أما مدير مكتب سعادته فللأمانة لم يكن تقليديا ويردد الجملة العتيقة (سعادته في اجتماع)، بل قال (سعادته لديه مكالمة مع الوزارة)، الكلمات التي أتت مخارجها آلية لا توحي بتكلّف أو جديّة جعلتني أتجرأ وأسأله: (تهقى يطوّل؟)، فنظر إلي شزرا (من فوائد هذه النظرة أن وظفت كلمة شزرا في المقال)، لم يجب لكنه أشار إلي أن أجلس في أقصى كرسي بعيدا عنه وكأنني مجذوم (فائدة ثانية لتوظيف كلمة مجذوم)، وبين الفينة والأخرى يرمقني بنظرة أهرب منها بكتابة هذا المقال، وقبلها سألني بضع مرات (وش عندك؟)، وفي كل مرة أسرد له حكايتي/ مشكلتي توحي نظراته المتوجسة أنني غير صادق!، حتى إنني شككت أن السكرتير على يقين بأنني أحمل أفكارا منحرفة، ويخشى أن أسمم أفكار سعادته، نعم ها أنا أبحث عن عذر يجعلني أستحق هذا العقاب، كنت أنوي أن أنبه السكرتير عن مشكلته مع الهمزة (المتطرفة) في الكلمات المكتوبة على أسماء الملفات التي تقف بشكل أنيق في الدولاب على يمينه، لكنني كنت على يقين بأنه سيقول: (تعلّمني شغلي)، رغم أنه لا شغل لديه كما أرى..

فجأة دخل ثلاثة أشخاص (بميانة) فهبّ صاحبنا واقفا، واكتشفت أنه يستطيع أن يبتسم!، بل وتبدو عليه لطافة لافتة، كانوا يتحدثون بلغةٍ أقرب للهمس تتخللها ضحكات مؤدبة جدا أقرب للخفوت، التفت إلي بنظرة محايدة وقال: سعادته سيخرج بجولة ميدانية مع رؤساء الأقسام – وأشار إلى الأشخاص بجانبه – اذهب وتعال في يوم آخر، لم أنبس ببنت شفة (فائدة أخرى لتوظيف الكلمات)، عند بوابة الخروج تذكرت أنني لم أسأله ليس عن الموعد القادم بل عما أفعل بهذا المقال؟!

[email protected]