سوزان سليم

هل أفطرت؟

الثلاثاء - 19 أبريل 2016

Tue - 19 Apr 2016

بعدما كبر أبي وكبرت أمي (أو كبر هو وما زالت هي في الخامسة والعشرين.. ولديها أحفاد) ما زال يعبر لها عن محبته حين يراها، فيقول «تعالي اشربي قهوة!»، «تعالي وكلي!»، «تعالي وشاهدي هذا البرنامج!»، ثم يجلسان صامتين، هي على هاتفها تنشر في صفحة انستقرام، وهو يتكئ على جنبه ويشرب قهوة ويشاهد التلفاز.

هذه لغة المحبة بينهما، التي تعني: تعال أريد قربك، هي وغيرها إحدى لغات المحبة بين الناس التي تجعلهم يعبرون عن حبهم بدون أن يفصحوا به إفصاحا قد يخجلهم.

زرت مرة عمة زوجي، وهي عجوز خجولة جدا تستحي أن تنظر إليك، تحني رأسها وتبتسم متوترة كثيرا، بدت سعيدة جدا بزيارتنا، لأنها طوال الزيارة لم تجلس، كانت تأتي وتذهب إلى مطبخها مستعجلة، وتعدد لنا ما لديها في الثلاجة، فتقول «لدي موز هل تريدون؟ لدي ماء في علب، لدي عصير وكيك - غير الذي معكما - هل تريدانه؟ سأذهب وأحضره!»، تقول هذا وهي تنظر إلى الأرض وتعصر يديها، ثم تذهب مسرعة إلى المطبخ.

أن يقدم لك أحد شيئا لتأكله، لغة محبة أخرى، لأن الأكل يجلب السرور، فيريد أن يسرك، ويظهر أنه يهتم بك وبغذائك!

مثل ذلك أن يسألك أحد «هل أفطرت؟ هل تعشيت؟ هل نمت جيدا؟»، هذه الأسئلة تعني أن الشخص يهتم كثيرا بك، فهو لا يريدك أن تعاني من الجوع أو من قلة النوم، وهو سؤال سهل يدل على الاهتمام من غير أن يكشف عن المشاعر الداخلية بوضوح قد يخجل منه الإنسان.

وهذه الأسئلة وسيلة لمحادثات صغيرة، يستخدمها بعض البالغين بدلا من إبداء الشعور بالمحبة.

حين رأيت عمي «والد زوجي» للمرة الأولى، لم يحدثني عن أي شيء مفيد، سألني عن حالي كثيرا، ثم قال «أين ستسافرون؟ انتبهوا! لا تذهبوا إلى... «وذكر مدينة بعينها»، وعدد أسباب ذلك، ثم صمت، وقال «لا تذهبوا، أنا لا أمزح...».

لا يوجد أي شيء تافه بشأن سؤال قريب لك عن حالك ألف مرة، وحديثه عن جدول نومه، وعن آرائه السياسية السخيفة، لأن هذه المحادثات وسيلة للتقرب منك، وإن لم يكن محتواها مفيدا ففائدتها النفسية عظيمة.

شرب القهوة والشاي أيضا من لغات المحبة، قد يشربهما الناس من أجل الكافيين واليقظة، ولكن شربهما في وقت اللقاء، يكون رغبة في التواصل، حتى رؤيتهما صارت سارة وتبعث شعورا بالمحبة.

أحيانا يصرخ أبي على أمي غاضبا حين يشغلها هاتفها ويقول «هل تعشيت! لماذا لا تتعشين؟ اشترى ولدك العشاء، تعالي!»، فأرتاح أنا وأعلم أن حبهما لا يزال مشتعلا.

في نهاية زيارتي الأولى لعمي «والد زوجي»، اقترب مني وقال «لا تذهبي إلى تلك المدينة!» وذكر أسبابه، فعرفت أننا كونا بيننا علاقة جيدة.

في نهاية زيارتي للعمة العجوز، عرفت أنها أحبتني لأنها جاءت مسرعة وأعطتني عشرة ريالات، ودست موزة في حقيبتي!.