محمد حطحوط

لماذا تضع «أمازون» كرسيا فارغا باجتماعاتها؟

الثلاثاء - 19 أبريل 2016

Tue - 19 Apr 2016

في عام 1993 قررت شركة أبل إنتاج (نيوتن) وهو جهاز صغير بحجم الكف، يعتبر ثورة في عالم الاتصالات لأنه أول جهاز ذكي من نوعه في العالم. كان جهاز نيوتن بمعايير 1993 بالفعل ثورة جعلت وادي السيليكون -الذي خرج منه قوقل وتويتر وفيسبوك- ترفع القبعة احتراما لهذا الإنجاز النوعي الجديد، وهذا الاختراع الذي سيغير وجه العالم، والذي يعتقد له أن يحقق لوحده أكثر من 50% من مبيعات أبل! نيوتن يقدم لك خدمة حفظ الأسماء بشكل جذاب وحيوي، وتستطيع من خلاله ترتيب المهام وكتابة الملاحظات بقلم مدمج فيه، ويعمل النظام على OS، واجتهدت الشركة في إخراجه واهتمت بأدق التفاصيل، ورصدت لتسويقه ميزانية من ملايين الدولارات، في الصحف والمجلات وشاشات التلفزة وإذاعات الراديو، وتوفرت لصاحبنا نيوتن كل الظروف ليكون جهازا استثنائيا، وأخيرا اجتمع الفريق الهندسي والتقني مع مجلس الإدارة للاحتفال بإنجاز مشروع بدأ العمل عليه عام 1987، ست سنوات من العمل الدؤوب لفريق لا يكل ولا يمل حتى خرج نيوتن في شكله النهائي. الشركة تحبس أنفاسها وهي تنتظر للمعجزة أن تحدث وللمبيعات أن ترتفع، ولكن الذي حدث كان خارج التوقعات والحسبان تماما: المستهلك الأمريكي لم يرق له المنتج، وفشل (نيوتن) فشلا ذريعا، مما أصاب مجلس إدارة أبل بالإحباط! كان خبرا صادما لشارع وادي السيليكون قبل أبل أن تكون نهاية التعب هذا الخذلان العظيم، وبدأت تحليلات المختصين لمحاولة فك شيفرة هذا اللغز الذي أصاب واحدة من أركان التقنية بالعالم، أبل!

بعد حكاية الفشل التي ضربت نيوتن بسنتين، قررت شركة موتورلا أن تدخل ذات السوق، وقدمت منتجا أكثر تقدما من نيوتن، وأضافت له شريحة للاتصال وإرسال الرسائل، ووفرت له مزايا لم توفرها شركة أبل في نيوتن. جمعت موتورلا كل أسباب الفشل التي تعتقد أنها كانت خلف نيوتن، وتلافت الأخطاء ووفرت مزايا جديدة، ورصدت ميزانية تسويقية هائلة، ونزل جهازها الجديد للسوق، والذي أسمته (إنفوي). ولكن إنفوي واجه نفس المصير الذي لا يرحم، وذاق من نفس كأس الفشل الذي ذاقه السيد نيوتن، وتحول ذلك إلى لغز أشغل المحللين والنقاد في وال ستريت!

الصدمة لم تتوقف هنا، ولكن استمرت بعد فشل إنفوي، عندما أتت شركة صغيرة وغير معروفة تماما، اسمها (بام) وقررت دخول ذات النفق المظلم الذي دخله (نيوتن) و(إنفوي)، بمنتج أقل مواصفات منهما أسمته (بام بايلوت)، ولكن الخبر الصاعق للكل، أن بايلوت نجح نجاحا باهرا وحقق مبيعات عالية جدا، مما أثار سيلا من الاستفهامات، كيف فشلت اثنتان من أكبر شركات الاتصالات بالعالم أبل وموتورلا، ونجحت شركة هامشية على قارعة الطريق لا يعرفها أحد، اسمها بام!

بعد أن وضعت الحرب أوزارها وفازت بام بايلوت بكعكة قيمتها مئات الملايين، أظهرت شركة (بام) سر نجاح جهازها (بايلوت) وذكرت السبب قائلة: الخطأ الذي ارتكبته أبل وموتورلا (وما زال كثير من الشركات بالسعودية بالمناسبة تكرر نفس الخطأ) أنها انتهت من تصميم المنتج الذي تظن أنه يناسب المستهلك، ثم أعطته قسم التسويق لتنفيذ خطة ترويجية له! في المقابل نحن في شركة بام -على لسان مديرها التنفيذي- قلبنا المعادلة تماما! بدل أن يأتي التسويق في آخر خطوة، كان الاتفاق أن يكون قسم التسويق حاضرا من أول يوم عمل، ولأن مدير التسويق كان ضمن الفريق، وهو بيت الخبرة في رضى العميل والاهتمام برغبات المستهلك، قرر الفريق سياسة اختلاف غير مسبوقة. عندما نختلف، مثلا في حجم الشاشة وهل تكون صغيرة أم كبيرة، أو في المزايا التي نضعها أو نزيلها، أو في لون المنتج أو شكله، يكون القرار النهائي الذي نلتزم به، هو رأي العميل، ولو خالف ذلك رأي الفريق بالكامل! كان قرارا صعبا وتحديا غير مسبوق، لكن النتيجة أن النجاح كان حليفنا.

بعد هذه القصة تغير التسويق تماما في أمريكا. وأصبح العميل هو محور كل المنتجات والخدمات، ورأيه هو الفيصل النهائي عند أي اختلاف، وليس رأي مجلس الإدارة أو مدير المشروع! وهذا قرار ليس سهلا من الناحية التنفيذية، لكن نتائجه كانت مبهرة وناجحة مما حدا بالشركات لتبني ذات السياسة والمنهج، ويكون رأي العميل حاضرا قبل وأثناء وبعد صناعة المنتج.

جيف بيزوس المؤسس والمدير التنفيذي للشركة العملاقة أمازون، ما زال إلى هذا اليوم، في كل اجتماع له، يضع كرسيا فارغا مكتوبا فوقه (العميل) ويسأل دوما فريقه عند الاختلاف: تذكروا أن رأيي ورأيكم غير مهم.. المهم أن نعرف ماذا يريد هذا؟ ويشير بيده إلى كرسي العميل. إذا فهمت هذا المبدأ عزيزي القارئ فقد فهمت 50% من التسويق!

[email protected]