أحمد الهلالي

عالمية الإسلام المكبلة!

الأحد - 17 أبريل 2016

Sun - 17 Apr 2016

قال الله تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» رحمة شاملة لكل البشر دون تمييز ولا تحيز، وقال تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب»، وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه...»، كل هذه الأدلة الإسلامية القاطعة وغيرها تعلمناها منذ التنشئة، ودأب التعليم والإعلام على ضخها المحمود في أدمغتنا وأدمغة أبنائنا، لكنها تنحسر أمام القضية الاجتماعية المزلزلة (تكافؤ النسب) التي تظهر على شكل أحكام قضائية مفزعة بين حين وآخر.

بحثت عن دليل قاطع من الكتاب والسنة يعود إليه العقلاء في قضية (تكافؤ النسب) بين الزوجين فلم أظفر به مطلقا، وقرأت واستمعت إلى تسجيلات لبعض الفقهاء فوجدت كثيرا منهم يتحدثون بإيجابية عن (بلال بن رباح/ وزيد بن حارثة/ وسلمان الفارسي/ وأبي هند الحجام وغيرهم) رضي الله عنهم وقد تزوجوا بعربيات أصيلات وهم موال، لكن تقواهم رفعتهم إلى درجة الأحرار في عهد الإسلام الأول النقي من الآراء والأفهام والحجج الواهية التي لا تناسب زماننا، فأغلب من يبررون قضية (التفريق بين الزوجين) يتحدثون عن مفسدتين الأولى (كبرى) تشمل الخطر المتوقع على الزوج من المعترضين وربما تؤدي إلى قتله، أو القطيعة بين الولي الذي زوج (الفتاة) وعصبته، والثانية مفسدة (صغرى) يسهل ارتكابها وهي التفريق بين الزوجين تحاشيا لحدوث الكبرى المتوقعة.

ما يسميه بعض الفقهاء مفسدة (صغرى) هو هدم أسرة متحابة، فغالب القضايا التي تداولها الإعلام في هذا الشأن كانت هدما لأسر مستقرة منجبة، ولا أعلم كيف يجرؤ قاض أو فقيه على إفساد هذه الأسرة زاعما حمايتها، وأي حماية ستكون وقد فرقوا بين الزوجين وشتتوا أبناءهم إرضاء لغوغاء العنصريين الجهلاء الذين ضربوا بمقاصد الإسلام وعالميته جدار الجهل وامتطوا نتانة الجاهلية، لماذا لم يدر بأذهان الفقهاء أن الزوج ربما سينتقم ممن هدم أسرته، أو أن الزوجة ستنتقم بأي وسيلة متاحة ردا على قهر وحرمان العنصريين بغطاء شرعي لا يستند إلى دليل ديني قاطع. هل نسي هؤلاء أن من أعراف القبائل أن البنت لابن عمها، فماذا لو زوجها وليها لقريب أبعد، ثم ثار ابن عمها وهدد بقتل زوجها لأنه في عرف القبيلة أولى، هل سينصاع الشارع بحجة المفسدتين المذكورتين آنفا ويحقن الدماء ويطلق الزوجة؟ وهل نرهن قضايانا بغضب فلان وتهديد آل علان؟ ولنتأمل التناقض بين هذه القضية والعفو في قضايا (القتل)، فهنا يكفي اعتراض واحد من عصبة الولي لهدم أسرة، وفي القصاص يكتفى بعفو شخص واحد فقط من أولياء الدم، فما دامت القضية تخرصات لماذا لا يخشى أن يقتل البقية الجاني؟!

وحين نتأمل الحديث حول هذه القضية؛ نجد البعض يعمد إلى تجهيل الرأي العام كله واتهام الإعلام والناصحين، فهل يريدون أن يتخلى الناس عن عقولهم وإنسانيتهم ويصمتوا عن ظلم لم يقره الله ورسوله الكريم، وكل حججهم تخرصات وأقوال فقهاء عاشوا في زمن لا يشبه زماننا، زمن لا يعرف الناس فيه الأمن ولا قوة السلطة ولا مؤسسات الحماية والردع التي نتمتع بها اليوم.

إذا تحدثنا عن العنصرية بأنواعها وأسباب تكريسها في الثقافة فلا يجب أن نغفل عن (قضية تكافؤ النسب) المقيتة، فإقرارنا بهذه النقيصة بيننا هو أكبر ناسف لتنظيراتنا التي نحذر منها في مدارسنا وجامعاتنا وإعلامنا ومساجدنا، خاصة حين يأتي تبرير هذه التفرقة بين مواطني بلادنا والمسلمين من جهة قضائية شرعية تحكم (بشريعة الله)، فاللاوعي لا يتجاهل هذه الإشارات المبررة لاستعلاء بعضنا على الآخرين سواء من أبناء الوطن أو المسلمين، والتعنصر الذي لن يجني منه المجتمع إلا زيادة الفرقة.

أناشد خادم الحرمين الشريفين وهيئة كبار العلماء بالتدخل العاجل والحازم في هذه القضية تحديدا، والنظر في تحديث الفقه وتوجيهه إلى عالمية الإسلام، وأن تكون أحكامه وفقا للمقاصد الإسلامية العليا، فعالمنا (قرية كونية صغيرة)، وجور بعض الأحكام ربما يصد أقواما عن اعتناق الإسلام، فلو فكرنا بعقلية غير المسلم حين ينوي اعتناق الإسلام ويسمع بقضايانا المنافية للفطرة الإنسانية السليمة، ونحن نتبنى حماية الإسلام ونشره، فكيف ستكون صورتنا وصورة الإسلام لديه؟.

المؤسف حين ينادي العقلاء باحترام صورة الإسلام الكبرى تنهال عليهم النعوت (المؤذية)، ويحوّرها البعض إلى قضية صراع تيارات ومماحكات، مع أن إصرار البعض على إثقال الأمة بمقولات التراث الفقهي وآراء السابقين وأفهامهم الاجتهادية هو المسؤول عن تكبيل عالمية الإسلام، وتسفيرنا خارج عصرنا، وهم أكثر من يمنح الإعلام العالمي المناهض مبررات الهجوم وتشويه الإسلام ومعتنقيه؟!

[email protected]